40 قاعدة في قراءة الكتب والاستفادة منها.. الجزء الثاني
صفحة 1 من اصل 1
40 قاعدة في قراءة الكتب والاستفادة منها.. الجزء الثاني
40 قاعدة
في قراءة الكتب والاستفادة منها..
محاضرة يلقيها فضيلة الشيخ
رضا أحمد صمدي
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة
الله..
الحمد لله الذي أصبغ علينا
نِعَمَهُ ظاهرة وباطنة..
نحمده أولاً وآخراً وظاهراً
وباطناً، نحمده حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، حمداً يوافي نعمه ويكافئ
مزيده، حمداً ملء السماوات، وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء U من شيء بعد، أهل الثناء والمجد
أحق ما قال العبد، وكلنا له عبد..
وأصلي وأسلم على أشرف الثقلين،
وأشرف الأنبياء والمرسلين وأشرف الخلق أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن
تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..
وبعد..
فمحاضرتنا اليوم موصولة باللقاء
السابق الذي تحدثنا فيه عن جزء من "أربعين قاعدة في قراءة الكتاب، والانتفاع
من قراءة الكتب"..
وحسبي أن كثيرًا ممن حضر اللقاء
السابق يحضر اليوم، وإن لم يكن الأمر كذلك فسنضطر لسرد القواعد التي ذُكِرَت في
اللقاء السابق؛ حتى لا تغيب الفائدة عن الحاضرين اليوم ممن لم يحضروا اللقاء
السابق.
فكان لقاؤنا في المرة السابقة في
الكلام عن "قواعد في الانتفاع من قراءة الكتاب" باعتبار أن الكتاب هو
مصدر المعرفة الأعظم بالنسبة لطالب العلم.
خاصةً: في هذه العصور التي قلَّ
فيها التَّلقِي عن الشيوخ، وملازمة الأئمة والعلماء، فصار الكتاب يُشكِّل نسبة
عظيمة من مصادر التلقي والمعرفة والعلم.
وباعتبارنا أمة، أو باعتبارنا
ننتمي إلى صحوة تريد أن تنمو وتتطور، وأن تصل إلى المراقي على الوجه الذي يرضي
الله U..
فلابد لنا أيضاً من أن تكون
وسائلنا في تحصيل المعرفة وفي تطورنا العلمي، وفي رُقِينا الحضاري لابد أن تكون
مبنية على أُسُس علمية مدروسة، فلا يليق أن يدرس الشرق والغرب، وأن يتعلموا وأن
يقرءوا وأن ينهلوا من مناهل المعرفة بطرق علمية رصينة، فينشأ ناشئ الفتيان منهم على
أسس علمية متطورة، لا يَلْوِي ولا يُعْقِب، ولا يتأخر بل يمضي قُدُماً في سبيل
المعرفة، لا يريد أن يكون هذا حالهم، بينما حالنا نحن الذين نزل الوحي في حَقِِنا
بأول كلمة أن ﴿اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق:
1].
فلابد أن تكون قراءتنا للكتاب، وأن
يكون انتفاعنا من قراءة الكتب مبنيًا على أسس علمية مدروسة متطورة.
تكلمنا عن "قواعد في قراءة
الكتاب" وذكرنا:
أن "القاعدة الأولى"
نذكرها سرداً؛ حتى لا نتعطل عن ذكر بقية الفوائد:
أولاً: أن الكتاب يجب أن يعتبره
القارئ خير جليس، وأنيس في حقه، فلو اتخذه صديقاً أنيساً صارت أُلْفَتُه وأُنسه في
قراءة الكتاب، وفي إمضاء وقته في تحصيل المعرفة من الكتاب، بخلاف من يعادي الكتاب،
ويجعل بينه وبين الكتاب حواجز عظيمة، فإنه ريثما يقرأ بضع ساعات، أو ربما بضع
دقائق إذا كان مُعادياً لهذا الكتاب، أو العلم زالت ألفته وزال أنسه.
القاعدة الثانية: استحضار النية وإنشاؤها وإصلاحها ومراقبتها.
القاعدة الثالثة: النَّهم في قراءة الكتاب أو الكتب، وقلنا:
أن النهم معناه الجوع والعطش
والرغبة الشديدة في تحصيل المعرفة من قراءة الكتب، وقلنا: أنه يَحْصُل –أي: هذا
النهم- بأمور منها:
أولاً: منها المنافسة.
ثانيًا: التَّحسُّر على فوات
المعلومة، فإن شأن توليد هذا التحسر يُولِّد الحافز للإنسان أن يزداد من المعرفة
والقراءة.
ثالثًا: لَحْظُ الهدف باستمرار؛ أن
يلاحظ ويستحضر هدفه وغايته من قراءة الكتاب.
لذلك: نُسِّينا أن نُنَوِّه أيضاً
بأن من الفوائد العظيمة عند قراءة الكتاب أو الكتب:
أن يُحدِّد الإنسان لنفسه وقتاً
زمنياً مُحدداً لقراءة الكتاب، وألا يترك لنفسه عَوَاهِلِها وشهواتها وإراداتها في
أن تقرأ الكتاب في أي زمان أرادت؛ يُقرأ الكتاب وفي أي وقت حصل إتمامه ففيه الخير
والبركة! وهذا خطأ منهج خاطئ ؛ لأنه يوَكِّل الإنسان إلى كسله وَدَعَتِهِ وخموله،
ولكن لو حدَّد لنفسه ميقاتاً ومقداراً زمنياً معيناً لقراءة الكتاب، وألزم نفسه
بهذا الميقات، ثم حاسب نفسه على هذا الوقت؛ لأنه يمكن يحدد لنفسه مثلاً:
يقرأ كتاب في ثلاثة أيام، فيخيب
ظنه أو تحديده؛ ويقرأ الكتاب في أربعة، فلا يترك لنفسه الأمر فيحاسب نفسه؛ ما الذي
جعله يقرأ الكتاب في أربعة أيام بعد أن حدَّد لنفسه ثلاثة أيام مثلاً؟.
فمثل هذا الأمر يدعوه إلى أن ينجز
قراءة الكثير من الكتب في أوقات محددة مما يساعد على تنظيم الأوقات، وتحصيل أكبر
قدر ممكن من الانتفاع في مسألة القراءة.
وقبل أيضاً أن أستطرد..
إخواني! مثل هذه الفوائد هي من
صميم، ومن عُمق معرفتنا، وتعلمنا لكتاب الله وسُنة رسوله r؛ لأننا عن خبرة، عن معاشرة ومعايشة لطلبة العلم،
عايشنا ذلك أسلوب "خبط عشواء" كما يقول الشاعر..
أسلوب "خبط عشواء" الذي
يعيش فيه كثير من طلبة العلم، لا أقول طلبة العلم الشرعي، بل كل طلبة العلم على كل
المستويات، عدم تنظيم الأوقات، عدم تنظيم لطريقة قراءة الكتاب ، عدم تنظيم لأسلوبه
في تَعلُّمِهِ، وأهدافه وغاياته ورغبته...
كل هذه الأمور هي التي
تُشَوِّه صورة طالب العلم في نفسه، فلا يمضي بطريقة صحيحة. لهذا: نُفسِّرُ نسبة
الأمية الكبيرة الموجودة في أمتنا، الأمة العربية نسبة الأمية فيها كم؟ خمسين في
المائة، خمسين في المائة نسبة الأمية في العالم العربي.
يعني: لو العالم العربي "مائة
مليون" وهو تقريباً بهذا العدد، خمسين مليون عربي، لا نقول: "مسلم"؛
لأن نسبة الأمية في العالم الإسلامي ربما تَعْدو على ذلك، خمسين مليون من البشر لم
يقرءوا حرفاً، لم يفتحوا مُصْحَفاً، نقولها هكذا أفضل:
"خمسين مليون" لا
يستطيعوا أن يفتحوا المصحف ويقرءوا القرآن!
هذه مصيبة أم ليست بمصيبة؟ مصيبة.
لو نَحَّيْنا جانباً قضية تعلُّم
الناس للوحي، أو القرآن أو للتفسير وما إلى ذلك،
لا..
نقول: لو قِسْنا حال
هذه الأمة بالأمم الأخرى أيضاً ستصير مصيبة على المستوى الدنيوي، "اليابان"
نسبة الأمية فيها صفر، نسبة الأمية في "أمريكا" ثلاثة، أو أربعة في المائة، نسبة الأمية في "ألمانيا"
صفر، في "فرنسا" تقريباً صفر أو واحد في المائة.
الشاهد: أن مثل هذه النسب تعطيك
حقيقة الوضع الذي نعيشه، كل هذا بسبب ماذا؟ هذه الأمية المحضة، بمعنى: عدم القدرة
على القراءة والكتابة.
لكن: لو أتينا إلى الأمية
الثقافية، المستوى الثقافي بالنسبة لجمهور الناس:
"المسلمين" هذه قد تصل
إلى تسعين وأكثر من تسعين في المائة.
لو أتينا إلى الأمية التخصصية:
نسبة التخصص في الأمة ستجد أيضاً أن المنسوب يرتفع بكثرة لدرجة أنك لا تجد
المتخصصين في هذه الأمة يمثلون إلا ربما نسبة واحد على عشرة من مائة في المائة،
وهذا أمر واقع..
أنت لو أتيت في أي منطقة، وأردت أن
تشير على واحد مُتخصص دكتور أو غيره، متخصص في علم من العلوم، سَتَعُدُّ على أصابع
اليد، بينما كثافة سكان المنطقة ربما تكون مثلاً "مائة ألف" في الكيلو
متر مربع، الكثافة في مناطق القاهرة، قد تصل إلى هذا المستوى، ف"مائة ألف"
تأتي تَعُد مثلاً المتخصصين "دكتور في الجامعة" واحد.. اثنين.. ثلاثة..
أربعة.. عشرة مثلاً من "مائة ألف"، هذه نسبة رهيبة؛ يعني: نسبة ساحقة في
الانعدام.
لذلك: نحن لمَّا نتكلم
عن القضية بهذا الشرح والإسهاب، أو وضعٌ
للمِبْضَع، مِبْضَع الجراحة في صميم الجُرح الذي نعيشه، جُرح الأمة في جهلها، في
تَخَلُّفِها، في حالها الذي تحياه الآن..
أنت الآن حتى لو نظرت نظرة طبيعية
درس علم شرعي، أو مثلًا:
اذهبوا للجامعة المفتوحة، أو
للمحاضرات الثقافية التي تنشئها وزارة الثقافة، أو مثلًا: اذهبوا لمكتبات الطفل، أليسوا
يدَّعون الآن أن "القراءة للجميع" ، انظروا لمهرجان الطفل ستجد ومع كل
هذه الحملة الإعلامية المُدَّعِيَة لنجاحها، فالأمر: لا كما يظن..
فماذا ينفع طفلاً أو شاباً إذا ما
قرأ مثلاً "إِلس في بلاد العجائب"، أو مثلاً: "الجميلة
والوحش"، أو مثلاً: "رواية الشياطين الثلاثة عشر" ما الذي ينفع
هؤلاء؟
تُغَيَبُ الأمة من المضمون الثقافي
الحقيقي ثم تُغَرَّق في هذه السفاسف، ويُدَّعى بأنها ثقافة ترفع مستوى الثقافة في
الأمة، خطأ..
لذلك: نحن لمَّا نتكلم عن "قواعد
القراءة" هذا الأمر لا يسري فقط على جمهور طلبة العلم ممن حققوا لي أنهم حقًا
طلبة علم، بل يسري الأمر على كل شرائح الأمة.
وهذا في حق من يجلس معنا الآن، ولا
يستطيع القراءة والكتابة مُحَفِّز في حقه أن يبدأ من ليلته هذه أن يتعلم القراءة
والكتابة، إن لم يكن إثماً شرعياً، فهو عار في حق نفسه، أن يسكت عن هذا الوضع في
حق نفسه، أو في حق أمته.
لذلك: كلامنا عن هذه
القواعد هو من صميم بحثنا أو كلامنا أو علاجنا عن أدواء، أمراض تقع فيه الأمة نريد
أن نعالج منها شيئاً.
هذا التخلف الثقافي والحضاري الذي
نحياه سببه الأعظم عدم القراءة أو عدم القدرة على القراءة، أو عدم تنظيم القراءة
أو عدم تنظيم وقت للقراءة، إلى آخره...
نحن نعُالِج هذه الأمور بطريقة
علمية متطورة، وواقعية أيضاً في نفس الوقت.
ومن وسائل تحصيل النَّهم في قراءة
الكتاب الرياضة والتعود:
لأن الإنسان قد يُولَد بفطرته
كَسِلاً، خمولاً، عاجزاً، ليست لديه الهمة للقراءة، فلا يترك لنفسه عنانها ويُسلِم
لانقياد هذا الكسل والخمول، لا.. لا يرضى بهذا الذل، بل لابد أن يُعوِّد نفسه وأن
يروضها.
سيجد في بداية الأمر لمَّا يقرأ
الكتاب ضيق شديد، ويجد ألم ورغبة في رمي هذا الكتاب من بين يديه، فإنه إن فعل
راودته نفسه الخاملة، بل لابد أن يجاهد نفسه، وأن يُعَوِّدَها، وأن يروضها على
مسألة القراءة، حتى تضحي القراءة بالنسبة إليه لذة ونشوةً وفرحةً يجد كل الضنك
والتعب والألم في غير القراءة، أو مطالعة المعرفة.
أيضاً:من وسائل النهم
المراوحة:
يعني: عدم إدمان
وإجبار النفس على القراءة المستمرة؛ حتى لا تتعب وتَكِل، فإن النفوس تحتاج إلى التَّروُّح،
وتحتاج إلى أن تبسط في بعض الأمور ساعة وساعة؛ حتى تستطيع أن تستمر في القراءة؛
لأن الإنسان إذا أوغل في هذه العادة "في القراءة" دون أن يُرَوِّح عن
نفسه، ربما انقطعت به العادة ، وانقطع به السير فلم يستطع الاستمرار بعد ذلك.
وهذا الأمر يسري في حق
من يقرءون الساعات الطِوال، هذا خطأ؛ لابد أن يراوح، وقد ثبت علميًا أن العقل له
قدرة استيعابية معينة، إذا زاد عن هذا الوقت فإن كل معلومة ترد على العقل تكون
ضعيفة الثبات والاستقرار، يعني: ثبت علمياً أن ما يُلقى للإنسان إلى المعرفة زائد
على عمره خمس دقائق، بمعنى: أن لو كان عمره مثلاً عشرين سنة يضيف إلى هذه العشرين
خمس دقائق، فيكون خمسة وعشرين دقيقة هي الفترة الذهبية لاستيعاب العقل للمعلومة،
بعد الخمسة وعشرين يبدأ العقل في الضمور، وعدم القدرة على الاستيعاب فبعد كل نصف
ساعة حاول أن تتروح، أن تتريث "اذكر الله" مثلاً:
تقرأ نصف ساعة ثم تترك
الكتاب، وتغمض الجفنين، لراحة العين من تعب وعناء القراءة، هذا في حق من يقرأ
ويتعب..
لكن للأسف الواحد يجد
أن كثيرًا من طلبة العلم لا يمارس هذه العادة، إن كثير من طلبة العلم لا يجلس أمام
الكتاب مثلاً خمس ساعات؛ يقول:
لا أستطيع.. صحيح لا
تستطيع أن تستمر، ولكنك بالمراوحة، وباتباع الطريقة العلمية الصحيحة في القراءة
تستطيع أن تستمر الساعات الطوال في لذة ونشوة وفرحة، وأيضاً باستفادة قصوى من
القراءة؛ تغمض العينين، وتستلقي قليلاً وتذكر الله U وخاصة:
"لا حول ولا قوة
إلا بالله"؛ فإنها من أنفع الأذكار المُجَرَّبة التي تمد الإنسان بقوة عجيبة،
أو بالاستغفار، أو بأي نوع من أنواع الذكر؛ حتى تسترخي الأعصاب الذهنية، وتستطيع
أن تعاود بعد ذلك القراءة بِنَهم وقدرة ونشوة.
من الوسائل هذه فوائد
نُسِّينا أن نذكرها في اللقاء السابق، نعيد استحضارها عند قراءة بقية القاعدة.
أيضاً قلنا: من وسائل
تحصيل النهم: اختيار الكتب التي تقرأها:
فإن هناك أناس
يُهمِلون المنهج العلمي والاستنصاح والمشاورة في شراء الكتاب، فيبدأ طلبه للعلم،
أو مشواره في قراءة الكتاب، أو عادة القراءة مثلاً يبدأه بكتاب صعب عسير، فتنقطع
به العادة؛ لأنه يُصدم بواقع لم يعهده، يريد أن يقرأ مثلاً في الأصول، فأتى إليه
واحد، وقال له: اقرأ في "مختصر ابن الحاجب" أو في "الإحكام"
فعندما أراد أن يقرأ في "الإحكام" لم يفهم شيئًا، فبهذه الصدمة انصرف عن
قراءة العلم، ولكنه لو نُصِحَ واختار الكتاب المناسب لذلك، سيأتي من الفوائد
أيضاً:
الكتاب المناسب في
الوقت المناسب: إذا اختار الكتاب المناسب في الوقت المناسب فإنه سيستمر في تدرجه
ورُقيه حتى يصل إلى أعلى المستويات.
أيضاً من الوسائل
المُحَصِّلة للنهم في القراءة أن يصير في قراءته للكتب وفق منهج علمي صحيح مُتابَع
ومُراقَب من واحد متخصص من المتخصصين، وأيضاً استشارة أهل العلم في اختيار الكتب،
وفي انتقاء أنواع الكتب التي يريد قراءتها.
القاعدة
الرابعة: اختيار الكتب.
أن تختار الكتاب
المناسب لمرحلتك التي تدرسها.
ثم ذكرنا بعض القواعد
المُتَعَلِّقة باختيار الكتب، يعني: المطولة لا نحتاج إلى سردها الآن.
القاعدة
الخامسة: النَّهم في شراء الكتب:
بعض الإخوة ربما يُلَبَّس
عليه:
أولاً: أهم شيء لابد أنك تختار
وتنتقي الكتاب المناسب كما قلنا، ولكن إذا وُسِّعَ عليك واستطعت أن تشتري أي كتاب
من أي مكان، وفي أي وقت فلا تبخل على نفسك حتى لو لم تقرأ الكتاب؛ لأن المال الذي
لا تنفقه في شراء كتاب ينفعك ستنفقه -ولا شك- في شيء لا ينفعك؛ لأن في هذا العصر
ستجد أن مجالات الإنفاق واسعة جداً، يشتري "بُنْبون" يشرب مياه
غازية"، يشتري "جرائد" يشتري "شيكولاته"، فمثل هذه الأموال
لو أنفقها، وصرفها في شراء الكتب -دون شك- ستعينه كثيرًا على أن يضبط مسألة
الانتفاع بالمال الذي لديه، وبلا شك إن النفس قد تتألم لفوات بعض الملذات؛ فيبتغي
مثلًا: أن يأكل أكلة، ونحن تكلمنا قبلُ أن من عادة طلبة العلم أنهم يُفْلِسُون إذا
ما بدءوا في طلب العلم؛ لأنه قيل: «من طلب العلم أفلس» أو «من طلب الحديث أفلس»
فكان من طلبة العلم من يدَّخِرُ من قوته، يعني: من ضروريات طعامه، ومن ألوان
لُبْسِهِ في سبيل أن يشتري الكتاب.
لا نريد أن نصل بكل طلبة العلم، أو
بكل الناس إلى هذا المستوى، لكن لا أقل من أن تُشعِر نفسك لذة شراء الكتاب؛ لأن
شراء الكتاب في حد ذاته من أعظم اللذات في حق من يحبون العلم والمعرفة.
مثلًا: تضحي بأكلة معينة تشتهيها
نفسك، تُضحي بهذه الأكلة الشهية اللذيذة وتَدَّخِرُ هذا المال لتشتري به كتاباً،
هذا الكتاب قد لا تقرأه اليوم، ستقرأه غداً، إن لم تقرأه غداً، قد تقرأه بعد سنة
أو سنين أو بعد عشر سنين، قد لا تقرأه مطلقاً فيقرأه غيرك، قد لا يقرأه غيرك،
فيقرأه أولادك وأحفادك، فإنه لا تضيع حروف أبداً أقسم الله U بها؛ ﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا
يَسْطُرُونَ ﴾ [القلم: 1].
لا يضيع العلم أبداً، بل لابد أن
ينتفع به أحد من الناس.
وتكلمنا أيضاً في "القاعدة
السادسة" عن كيفية توفير المال، والوسائل لشراء وتحصيل الكتب.
و"القاعدة
السابعة": في ارتياد المكتبات العامة والخاصة، والآداب المتعلقة بذلك.
في "القاعدة
الثامنة" عن الاستعارة من المكتبات الخاصة والعامة، وآداب الاستعارة.
و"القاعدة
التاسعة": في أحكام متعلقة بالاستنساخ والتصوير.
"القاعدة
العاشرة" : منهج العلم، منهج علمي واضح.
القاعدة
الحادية عشرة: نوعيات الكتب من حيث احتياجها
إلى التدبر والفَهْم، وقلنا: أن
الكتب نوعين:
نوع يحتاج إلى التدبر وفهم وتعمق
أثناء القراءة، ونوع لا يحتاج إلى ذلك.
وتكلمنا في القاعدة
"الثانية عشرة": عن الجو الصحي للقراءة، وحالة الاختيار.
طبعاً شرح ذلك والإسهاب فيه يحتاج
إلى وقت، فالإخوة الذين لم يحضروا يعذروني؛ هذه الأمور فصلناها تفصيلاً في اللقاء
السابق.
"القاعدة
الثالثة عشر": عُدة القارئ، أي: ما
يجب أن يستحضره من عُدة أثناء قراءته الكتاب منها استحضار الذهن، ووجود ورقة وقلم
للتقييد، ووجود المعاجم اللغوية والكتب الخادمة.
و"القاعدة
الرابعة عشرة": أنواع القراءة، وقلنا:
القراءة من حيث الكيف،
ومن حيث الكم.
أما من حيث الكيف:
ثلاثة أنواع: قراءة التحقيق،
وقراءة الجرد، و قراءة الاستطلاع.
وقلنا: أن قراءة الجرد:
هناك قراءة جرد "استيعابي"
وجرد "انتقائي" وشرحنا ذلك.
"وقراءة الاستطلاع"
قلنا: تكون بقراءة المقدمة والخاتمة، وملخصات الأبواب والفصول.
أما القراءة من حيث
الكم: فتنقسم إلى سريعة وبطيئة.
يعني: في خلال هذا الأسبوع أوقفني
بعض الأحباب على مُؤلَّف مُصنَّف في فوائد القراءة، أول مرة أطلع عليه اسمه:
"الطرق الجامعة للقراءة النافعة"، وهذا أول كتاب أقف عليه في ذِكر بعض
الفوائد التي تكلمنا عنها، فننصح بقراءته، أو بالحصول عليه إذا تمكَّن ذلك، اسمه
"الطرق الجامعة للقراءة النافعة"، تأليف محمد بن حسن بن عقيل بن موسى.
في هذا الكتاب تعرَّض
لذكر كيفية القراءة السريعة، ونحن لم نتكلم عنها في اللقاء السابق لضيق الوقت،
قلنا:
إن القراءة من حيث
الكم: إما أن تكون قراءة سريعة أو قراءة
بطيئة.
ذكرنا أيضًا: أن متوسط
سرعة القارئ العادي للقراءة ينجز حوالي "مائتين كلمة" في الدقيقة، من "مائة
وخمسين" إلى "مائتين" كلمة في الدقيقة، أقل من مائة وخمسين يكون
قارئ بطيء، من "مائة وخمسين" إلى "مائتين" كلمة في الدقيقة
يُعتبر قارئ متوسط، من "ألف" فما فوق يُعتبر قارئ سريع.
ومسألة القراءة
البطيئة والسريعة ليست مسألة عادة فقط بِحَسْبِ أيضاً ما هي مسألة علمية مبنية على
التريض؛ أي: على المداومة وإجمال القراءة، واتباع أساليب علمية في تحصيل أكبر قدر
سرعة من القراءة.
اليوم لم أكن أعلم كم
مقدار قراءتي، فحاولت أن أقيس، فوجدت أن الواحد نسبته في الكلام مع السرعة
السريعة، مع الإسراع في القراءة حوالي "ثلاثمائة" كلمة في الدقيقة، وهذا
يعتبر قارئ متوسط السرعة، لكن المؤلف يذكر أن هناك من الناس من يقرؤون بما معدله "ألف
ومائتين" و"ألف وخمسمائة" كلمة في الدقيقة!
هذا معناه أنه يقرأ هذا الكتاب
الذي تُعَدُّ صفحاته بـ"مائة" تقريباً أن يقرأ هذا الكتاب في حوالي خمسة
أو عشرة دقائق..
هذا الكتاب الذي حوالي "مائة"
صفحة أن يقرأه؛ لأن أنا حاولت أن أقرأ حوالي ثلاث، أربع صفحات في دقيقة، لكن بهذا
المعدل الكتاب يحتاج إلى تقريباً يعني إلى ثلث أو نصف ساعة عشان يُقرأ كله، لكن
بهذا المعدل المذكور حوالي "ألف ومائتين" أو "ألف وخمسمائة"
كلمة في الدقيقة يمكن يقرأ الكتاب في كما قلنا "خمسة دقائق".
وهو يعني دراسة ومثَّلَها بالمجلد
الأول من "ظلال القرآن" للأستاذ سيد قطب، فقال:
إن المجلد الأول حوالي "ستمائة"
صفحة تقريباً، وأن الصفحة الواحدة من هذا المجلد فيها حوالي "خمسمائة"
كلمة، تستغرق من القارئ المتوسط حوالي "ثمانين" ثانية، يعني دقيقة وثلث.
وعلى هذه الحِسْبَة القارئ المتوسط
يستطيع قراءة هذا المجلد كله في حوالي "ثلاثة عشر" ساعة.
لكن القارئ السريع سيقرأ المجلد في
عشر ساعات، والقارئ البطيء يقرأ المجلد في أكثر من ثلاثة عشر ساعة، "خمسة عشر"
ساعة، أو فما فوق..
وعلى ذلك: فإذا كان عدد مجلدات في "ظلال
القرآن" حوالي ست مجلدات، فالقارئ السريع يستطيع قراءة ستة مجلدات في ستين ساعة، والقارئ
المتوسط يقرأ الست مجلدا في تسعين ساعة تقريباً.
القارئ البطيء يقرأ الست مجلدات في
"مائة وخمسين" ساعة..
فانظر القارئ السريع "ستين"
ساعة، والبطيء "مائة وخمسين" ساعة.
البطيء نحن حددنا البطيء بما هو
أقل من "مائة وخمسين" كلمة.
لكن هناك بعض الناس يقرأ عشر كلمات
في ساعة، إلى أن ينتهي منهم ويفهمهم، هذا خطأ وقصور لابد أن يتلاشى بطريقة علمية
أيضاً سنذكرها إن شاء الله..
فتخيل البُعد الشاسع بين "ستين"
ساعة لقراءة ست مجلدات، وبين "مائة وخمسين" ساعة يعني فرق "تسعين"
ساعة، تستطيع بالتدرب والمداومة والإدمان أن تستغل أو أن توفِّر لنفسك في قراءة في
"ظلال القرآن" مثلاً أن تُوفِّر تسعين ساعة، والتسعون ساعة تُعدُّ أيام
عديدة.
الشاهد: مثلاً "صحيح
مسلم" لا يُقارن بالقرآن؛ القرآن الكلمات فيه
صغيرة، صحيح مسلم الصفحة فيه لا يمكن أن تصل إلى خمسمائة كلمة، من الممكن أن تصل
إلى ستمائة كلمة.
الشاهد: أنك بالدُربة والمداومة
تستطيع أن تختزن وتختصر لنفسك ساعات طوال في مسألة القراءة.
هو يذكر أن القراءة
السريعة مبنية على أُسُس علمية، وصُنِّفت فيها مصنفات غالب هذه المصنفات مصنفات
غربية، ويقول: إن سرعة القراءة مبنية على طريقتين، أو على أسلوبين، أو على
قاعدتين:
القاعدة الأولى:
التقليل من مسألة النكوص والارتداد.
ما معنى النكوص والارتداد؟
هناك أناس يقرؤوا الجملة والعبارة؛
لِنَقُل مثلاً عبارة:
"من خلقه الله للجنة لم تزل هداياها تأتيه من المكاره"
هل فهمها أحد؟
هناك من الناس من يقرأ العبارة
ويفهمها من أول مرور، وهناك من لا يفهمها من أول مرة، فيرجع إلى العبارة مرة
ثانية، وهذا يُسمى "النكوص والارتداد".
وهذا "النكوص والارتداد"
يتفاوت بين القارئين، لكنه يلتهم ويستهلك من أوقات قراءتك.
عمل إحصائية يقول إن مسألة "النكوص"
تستهلك، أو تُكلِّفك خمسين كلمة في الدقيقة، في حق القارئ المتوسط الناكص المتوسط،
خمسين كلمة في الدقيقة..
يقول: لو فرضنا أن شخصاً قرأ لمدة
ساعتين، وصدر عنه ارتداد،هذا
الارتداد في كل دقيقة يُكلِّفك
خمسين كلمة، فَسَيُضَيِّع هذا الناكص المستمر في النكوص ستة آلاف كلمة في تلك
الساعتين.
وإذا علمنا أن القارئ يقرأ مائتين
كلمة في الدقيقة، فينتج عن هذا أنه خسر ثلاثين دقيقة من الساعتين.
هذا النكوص هو الذي
يستهلك، أو يحرق وقتك في القراءة.
إذًا: الطريقة الأولى:
أن تحاول قدر الإمكان من التقليل من النكوص.
يقول: "الارتداد والنكوص"
قد يكون طواعيًا، وقد يكون غير طواعي.
الطوعي: بأن العبارة تكون شديدة
الصعوبة، فيحتاج لزامًا أن يرجع إليها ويعيد قراءتها لفهمها.
لكن هناك ارتداد ونكوص غير طوعي.
ما معنى غير طوعي؟ أي: هذه عادته،
أنه لا يقرأ الجملة مرة واحدة، لابد أن يقرأها مرة واثنين وثلاثة..
فهذا النكوص والارتداد غير الطوعي؛
أي: المُكتسب بسبب عادة استمر عليها هو الذي يُكلِّف القارئ في الوقت..
وعليه: فأولى الوسائل، أولى
القواعد لتحسين القراءة السريعة:
أن تُعوِّد نفسك على المرور على
الجمل، والفهم منها من قراءة واحدة، وتقليل نسبة الارتداد والنكوص، حتى تُقلِّل
نسبة الفاقد من الجمل والعبارات المقروءة، هذه أول قاعدة.
وقد ذكرنا أن الأمر
يحتاج إلى تريض وتعود وتدرب، فلن تأتي من أول مرة، أو الثانية. في السابق قلنا:
هناك قراءة تحقيق
وقراءة جرد، فعلى حسب نوع القراءة أنت تنتقي.
وانتبه: قلنا: هذا فضل الله يؤتيه
من يشاء..
هناك أُناس يستطيعون أن يقرءوا
كتاب صعب، ويمروا على الجملة الصعبة ويفهمها من مرة واحدة، وهذه كما قلنا أيضاً
فضل من الله، وقد تكون أيضاً بسبب الدربة والتروض والتعود على هذا الأمر؛ لأن
الإنسان أصلاً لا يُولَد عالماً وفاهماً ﴿ وَاللهُ أَخْرَجَكُم
مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ
وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ ﴾ [النحل:
78]. وسمع وبصر "فلان" يختلف عن سمع وبصر "فلان".
الرسول r لما قيل له كما قلنا: ((اقرأ،
قال: ما أنا بقارئ)).
(ما أنا
بقارئ): ليس معناها أني لا أريد أن أقرأ، بل معناها: أنا لا
أُجيد القراءة.
فيكون هناك تفاوت؛ هناك مَن يقرأ
ومَن لا يقرأ، والذي يقرأ هناك من يُجيد القراءة وهناك من لا يجيد، والذي يجيد
القراءة هناك من يكون سريع الفهم، سريع القراءة، وهناك من يكون بطيء الفهم بطيء
القراءة.
أحيانًا تقرأ كتاب
فَتَرِد عليك معلومة مُسبَقة، فيكون من الحماقة أو من تضييع الوقت أن تُعيد قراءة
المعلومة..
قصة سبق وقرأتها، وهذه
القصة خمس صفحات، وقرأتها قبل ذلك وتعرفها، فَمِن تضييع الوقت أن تُعيد قراءة
القصة في الكتاب الموجود أمامك.
فلابد أن تتجاوز حتى تنجز الجديد،
أو الحصول على الجديد من المعلومات.
القاعدة الثانية: توسيع مساحة
الرؤية والقراءة.
هناك أُناس يقرؤون
الصفحة أو الكتاب كلمة كلمة، هذه طريقة المبتدئين الذي ما زال "ابتدائي"
أو في "الروضة" يقرأ كلمة كلمة، ويشير على الكلمة،ومسألة القرآن خارجة
عن الموضوع؛ لأن التدبر والفهم شيء آخر.
لكن لنفرض مثلاً:
الجملة التي قلناها: "من خلقه الله للجنة لم تزل هداياه تأتيه من
المكاره".
فيأتي واحد يقرأ: من
خلقه الله للجنة لم تزل هداياها تأتيه من المكاره"، فيقرأ كلمة كلمة، هذه الطريقة طريقة خاطئة، أو
طريقة متأخرة، أو مُتخلِّفة؛ لأنها تستهلك الوقت. هناك أناس يقرؤون سطراً سطراً،
أو جملة جملة، يقرأ الجملة مرة واحدة، يَمُرُّ بسرعة بِعَيْنِهِ وبِفَهْمِهِ أيضاً
على الجملة مروراً واحدا،ً جملة واحدة.
فيقول: الطريقة العلمية لتوسيع
دائرة القراءة: أن تُوسِّع مساحة المقروء تدريجياً، فإذا كنت ممن يبتدئ في القراءة
ابتدئ بقراءة الجمل كلمتين كلمتين، أو كلمة كلمة، ثم كلمتين كلمتين، ثم ثلاثًا
ثلاثًا، ثم خمسًا خمسًا، ثم سطراً سطراً، ثم سطرين سطرين، وهكذا حتى تستطيع أن توفِّر
من الأوقات مع الدربة أن تمر على نصف الصفحة، بل على الصفحة كلها في خمسة ثواني
فتقرأها.
هذه ليست ضرب من
الخيال، بل مبني على أسس علمية ومُجرَّبة وحاصلة، من بعض الناس يقرؤون بهذه
الطريقة.
فالمؤلف أورد مثال:
يقول مثال التدرب:
فمثلًا: تتدرب على قراءة الفصول
كلمة كلمة؛ "من خلقه الله للجنة لم تزل هداياه تأتيه من المكاره" هذه
قراءة في السطور كلمة كلمة..
وبعد ذلك يبتدئ في قراءة الكلمات
كلمتين كلمتين؛ "من خلقه الله للنار لم تزل هداياه تأتيه من الشهوات"
كلمتين كلمتين.
ثلاث كلمات: "علامة الصادق
إذا نظر اعتبر، وإذا صمت تفكَّر، وإذا تكلَّم ذكر، وإذا مُنِعَ صبر، وإذا أُعطِيَ
شكر، وإذا ابتلي استرجع، وإذا جُهِلَ عليه حلم، وإذا علم تواضع, وإذا علَّم رفق،
وإذا سُئل بذل" ثلاث كلمات، ثلاث
كلمات..
فلو أن الشخص متدرب
على قراءة الـ"كلمة كلمة"، "إذا نظر اعتبر" فلابد أن يفهم كل
كلمة، لكن من التدرب "إذا نظر اعتبر، وإذا صمت تفكَّر"، تَرِدُ عليه مع
التدرب، ترد عليه الكلمات تباعًا، دون احتياج إلى كثير تفكير.
ثم يترقَّى أربع
كلمات، "مِنِيَّة الإنسان أفضل من عمله، وعمله أبلغ من قوله، موطنه الحق
ومعقِله الحياء"، ثم يترقى "له
بصائر من النور يبصر بها" فكل ذلك في
علامة الصادق: "له بصائر من النور يبصر بها، وحقائق من العلم ينطق منها، ودلائل من
اليقين يُعبِّرُ عنها".
الشاهد: أنه يترقى
هكذا، يترقى في انتقاء السطور والجمل والعبارات مع تقسيمها بهذه الطريقة.
طبعاً ليس شرطًا أنك تتقيد بنفس
الطريقة هذه.
في قراءة الكتب والاستفادة منها..
محاضرة يلقيها فضيلة الشيخ
رضا أحمد صمدي
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة
الله..
الحمد لله الذي أصبغ علينا
نِعَمَهُ ظاهرة وباطنة..
نحمده أولاً وآخراً وظاهراً
وباطناً، نحمده حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، حمداً يوافي نعمه ويكافئ
مزيده، حمداً ملء السماوات، وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء U من شيء بعد، أهل الثناء والمجد
أحق ما قال العبد، وكلنا له عبد..
وأصلي وأسلم على أشرف الثقلين،
وأشرف الأنبياء والمرسلين وأشرف الخلق أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن
تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..
وبعد..
فمحاضرتنا اليوم موصولة باللقاء
السابق الذي تحدثنا فيه عن جزء من "أربعين قاعدة في قراءة الكتاب، والانتفاع
من قراءة الكتب"..
وحسبي أن كثيرًا ممن حضر اللقاء
السابق يحضر اليوم، وإن لم يكن الأمر كذلك فسنضطر لسرد القواعد التي ذُكِرَت في
اللقاء السابق؛ حتى لا تغيب الفائدة عن الحاضرين اليوم ممن لم يحضروا اللقاء
السابق.
فكان لقاؤنا في المرة السابقة في
الكلام عن "قواعد في الانتفاع من قراءة الكتاب" باعتبار أن الكتاب هو
مصدر المعرفة الأعظم بالنسبة لطالب العلم.
خاصةً: في هذه العصور التي قلَّ
فيها التَّلقِي عن الشيوخ، وملازمة الأئمة والعلماء، فصار الكتاب يُشكِّل نسبة
عظيمة من مصادر التلقي والمعرفة والعلم.
وباعتبارنا أمة، أو باعتبارنا
ننتمي إلى صحوة تريد أن تنمو وتتطور، وأن تصل إلى المراقي على الوجه الذي يرضي
الله U..
فلابد لنا أيضاً من أن تكون
وسائلنا في تحصيل المعرفة وفي تطورنا العلمي، وفي رُقِينا الحضاري لابد أن تكون
مبنية على أُسُس علمية مدروسة، فلا يليق أن يدرس الشرق والغرب، وأن يتعلموا وأن
يقرءوا وأن ينهلوا من مناهل المعرفة بطرق علمية رصينة، فينشأ ناشئ الفتيان منهم على
أسس علمية متطورة، لا يَلْوِي ولا يُعْقِب، ولا يتأخر بل يمضي قُدُماً في سبيل
المعرفة، لا يريد أن يكون هذا حالهم، بينما حالنا نحن الذين نزل الوحي في حَقِِنا
بأول كلمة أن ﴿اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق:
1].
فلابد أن تكون قراءتنا للكتاب، وأن
يكون انتفاعنا من قراءة الكتب مبنيًا على أسس علمية مدروسة متطورة.
تكلمنا عن "قواعد في قراءة
الكتاب" وذكرنا:
أن "القاعدة الأولى"
نذكرها سرداً؛ حتى لا نتعطل عن ذكر بقية الفوائد:
أولاً: أن الكتاب يجب أن يعتبره
القارئ خير جليس، وأنيس في حقه، فلو اتخذه صديقاً أنيساً صارت أُلْفَتُه وأُنسه في
قراءة الكتاب، وفي إمضاء وقته في تحصيل المعرفة من الكتاب، بخلاف من يعادي الكتاب،
ويجعل بينه وبين الكتاب حواجز عظيمة، فإنه ريثما يقرأ بضع ساعات، أو ربما بضع
دقائق إذا كان مُعادياً لهذا الكتاب، أو العلم زالت ألفته وزال أنسه.
القاعدة الثانية: استحضار النية وإنشاؤها وإصلاحها ومراقبتها.
القاعدة الثالثة: النَّهم في قراءة الكتاب أو الكتب، وقلنا:
أن النهم معناه الجوع والعطش
والرغبة الشديدة في تحصيل المعرفة من قراءة الكتب، وقلنا: أنه يَحْصُل –أي: هذا
النهم- بأمور منها:
أولاً: منها المنافسة.
ثانيًا: التَّحسُّر على فوات
المعلومة، فإن شأن توليد هذا التحسر يُولِّد الحافز للإنسان أن يزداد من المعرفة
والقراءة.
ثالثًا: لَحْظُ الهدف باستمرار؛ أن
يلاحظ ويستحضر هدفه وغايته من قراءة الكتاب.
لذلك: نُسِّينا أن نُنَوِّه أيضاً
بأن من الفوائد العظيمة عند قراءة الكتاب أو الكتب:
أن يُحدِّد الإنسان لنفسه وقتاً
زمنياً مُحدداً لقراءة الكتاب، وألا يترك لنفسه عَوَاهِلِها وشهواتها وإراداتها في
أن تقرأ الكتاب في أي زمان أرادت؛ يُقرأ الكتاب وفي أي وقت حصل إتمامه ففيه الخير
والبركة! وهذا خطأ منهج خاطئ ؛ لأنه يوَكِّل الإنسان إلى كسله وَدَعَتِهِ وخموله،
ولكن لو حدَّد لنفسه ميقاتاً ومقداراً زمنياً معيناً لقراءة الكتاب، وألزم نفسه
بهذا الميقات، ثم حاسب نفسه على هذا الوقت؛ لأنه يمكن يحدد لنفسه مثلاً:
يقرأ كتاب في ثلاثة أيام، فيخيب
ظنه أو تحديده؛ ويقرأ الكتاب في أربعة، فلا يترك لنفسه الأمر فيحاسب نفسه؛ ما الذي
جعله يقرأ الكتاب في أربعة أيام بعد أن حدَّد لنفسه ثلاثة أيام مثلاً؟.
فمثل هذا الأمر يدعوه إلى أن ينجز
قراءة الكثير من الكتب في أوقات محددة مما يساعد على تنظيم الأوقات، وتحصيل أكبر
قدر ممكن من الانتفاع في مسألة القراءة.
وقبل أيضاً أن أستطرد..
إخواني! مثل هذه الفوائد هي من
صميم، ومن عُمق معرفتنا، وتعلمنا لكتاب الله وسُنة رسوله r؛ لأننا عن خبرة، عن معاشرة ومعايشة لطلبة العلم،
عايشنا ذلك أسلوب "خبط عشواء" كما يقول الشاعر..
أسلوب "خبط عشواء" الذي
يعيش فيه كثير من طلبة العلم، لا أقول طلبة العلم الشرعي، بل كل طلبة العلم على كل
المستويات، عدم تنظيم الأوقات، عدم تنظيم لطريقة قراءة الكتاب ، عدم تنظيم لأسلوبه
في تَعلُّمِهِ، وأهدافه وغاياته ورغبته...
كل هذه الأمور هي التي
تُشَوِّه صورة طالب العلم في نفسه، فلا يمضي بطريقة صحيحة. لهذا: نُفسِّرُ نسبة
الأمية الكبيرة الموجودة في أمتنا، الأمة العربية نسبة الأمية فيها كم؟ خمسين في
المائة، خمسين في المائة نسبة الأمية في العالم العربي.
يعني: لو العالم العربي "مائة
مليون" وهو تقريباً بهذا العدد، خمسين مليون عربي، لا نقول: "مسلم"؛
لأن نسبة الأمية في العالم الإسلامي ربما تَعْدو على ذلك، خمسين مليون من البشر لم
يقرءوا حرفاً، لم يفتحوا مُصْحَفاً، نقولها هكذا أفضل:
"خمسين مليون" لا
يستطيعوا أن يفتحوا المصحف ويقرءوا القرآن!
هذه مصيبة أم ليست بمصيبة؟ مصيبة.
لو نَحَّيْنا جانباً قضية تعلُّم
الناس للوحي، أو القرآن أو للتفسير وما إلى ذلك،
لا..
نقول: لو قِسْنا حال
هذه الأمة بالأمم الأخرى أيضاً ستصير مصيبة على المستوى الدنيوي، "اليابان"
نسبة الأمية فيها صفر، نسبة الأمية في "أمريكا" ثلاثة، أو أربعة في المائة، نسبة الأمية في "ألمانيا"
صفر، في "فرنسا" تقريباً صفر أو واحد في المائة.
الشاهد: أن مثل هذه النسب تعطيك
حقيقة الوضع الذي نعيشه، كل هذا بسبب ماذا؟ هذه الأمية المحضة، بمعنى: عدم القدرة
على القراءة والكتابة.
لكن: لو أتينا إلى الأمية
الثقافية، المستوى الثقافي بالنسبة لجمهور الناس:
"المسلمين" هذه قد تصل
إلى تسعين وأكثر من تسعين في المائة.
لو أتينا إلى الأمية التخصصية:
نسبة التخصص في الأمة ستجد أيضاً أن المنسوب يرتفع بكثرة لدرجة أنك لا تجد
المتخصصين في هذه الأمة يمثلون إلا ربما نسبة واحد على عشرة من مائة في المائة،
وهذا أمر واقع..
أنت لو أتيت في أي منطقة، وأردت أن
تشير على واحد مُتخصص دكتور أو غيره، متخصص في علم من العلوم، سَتَعُدُّ على أصابع
اليد، بينما كثافة سكان المنطقة ربما تكون مثلاً "مائة ألف" في الكيلو
متر مربع، الكثافة في مناطق القاهرة، قد تصل إلى هذا المستوى، ف"مائة ألف"
تأتي تَعُد مثلاً المتخصصين "دكتور في الجامعة" واحد.. اثنين.. ثلاثة..
أربعة.. عشرة مثلاً من "مائة ألف"، هذه نسبة رهيبة؛ يعني: نسبة ساحقة في
الانعدام.
لذلك: نحن لمَّا نتكلم
عن القضية بهذا الشرح والإسهاب، أو وضعٌ
للمِبْضَع، مِبْضَع الجراحة في صميم الجُرح الذي نعيشه، جُرح الأمة في جهلها، في
تَخَلُّفِها، في حالها الذي تحياه الآن..
أنت الآن حتى لو نظرت نظرة طبيعية
درس علم شرعي، أو مثلًا:
اذهبوا للجامعة المفتوحة، أو
للمحاضرات الثقافية التي تنشئها وزارة الثقافة، أو مثلًا: اذهبوا لمكتبات الطفل، أليسوا
يدَّعون الآن أن "القراءة للجميع" ، انظروا لمهرجان الطفل ستجد ومع كل
هذه الحملة الإعلامية المُدَّعِيَة لنجاحها، فالأمر: لا كما يظن..
فماذا ينفع طفلاً أو شاباً إذا ما
قرأ مثلاً "إِلس في بلاد العجائب"، أو مثلاً: "الجميلة
والوحش"، أو مثلاً: "رواية الشياطين الثلاثة عشر" ما الذي ينفع
هؤلاء؟
تُغَيَبُ الأمة من المضمون الثقافي
الحقيقي ثم تُغَرَّق في هذه السفاسف، ويُدَّعى بأنها ثقافة ترفع مستوى الثقافة في
الأمة، خطأ..
لذلك: نحن لمَّا نتكلم عن "قواعد
القراءة" هذا الأمر لا يسري فقط على جمهور طلبة العلم ممن حققوا لي أنهم حقًا
طلبة علم، بل يسري الأمر على كل شرائح الأمة.
وهذا في حق من يجلس معنا الآن، ولا
يستطيع القراءة والكتابة مُحَفِّز في حقه أن يبدأ من ليلته هذه أن يتعلم القراءة
والكتابة، إن لم يكن إثماً شرعياً، فهو عار في حق نفسه، أن يسكت عن هذا الوضع في
حق نفسه، أو في حق أمته.
لذلك: كلامنا عن هذه
القواعد هو من صميم بحثنا أو كلامنا أو علاجنا عن أدواء، أمراض تقع فيه الأمة نريد
أن نعالج منها شيئاً.
هذا التخلف الثقافي والحضاري الذي
نحياه سببه الأعظم عدم القراءة أو عدم القدرة على القراءة، أو عدم تنظيم القراءة
أو عدم تنظيم وقت للقراءة، إلى آخره...
نحن نعُالِج هذه الأمور بطريقة
علمية متطورة، وواقعية أيضاً في نفس الوقت.
ومن وسائل تحصيل النَّهم في قراءة
الكتاب الرياضة والتعود:
لأن الإنسان قد يُولَد بفطرته
كَسِلاً، خمولاً، عاجزاً، ليست لديه الهمة للقراءة، فلا يترك لنفسه عنانها ويُسلِم
لانقياد هذا الكسل والخمول، لا.. لا يرضى بهذا الذل، بل لابد أن يُعوِّد نفسه وأن
يروضها.
سيجد في بداية الأمر لمَّا يقرأ
الكتاب ضيق شديد، ويجد ألم ورغبة في رمي هذا الكتاب من بين يديه، فإنه إن فعل
راودته نفسه الخاملة، بل لابد أن يجاهد نفسه، وأن يُعَوِّدَها، وأن يروضها على
مسألة القراءة، حتى تضحي القراءة بالنسبة إليه لذة ونشوةً وفرحةً يجد كل الضنك
والتعب والألم في غير القراءة، أو مطالعة المعرفة.
أيضاً:من وسائل النهم
المراوحة:
يعني: عدم إدمان
وإجبار النفس على القراءة المستمرة؛ حتى لا تتعب وتَكِل، فإن النفوس تحتاج إلى التَّروُّح،
وتحتاج إلى أن تبسط في بعض الأمور ساعة وساعة؛ حتى تستطيع أن تستمر في القراءة؛
لأن الإنسان إذا أوغل في هذه العادة "في القراءة" دون أن يُرَوِّح عن
نفسه، ربما انقطعت به العادة ، وانقطع به السير فلم يستطع الاستمرار بعد ذلك.
وهذا الأمر يسري في حق
من يقرءون الساعات الطِوال، هذا خطأ؛ لابد أن يراوح، وقد ثبت علميًا أن العقل له
قدرة استيعابية معينة، إذا زاد عن هذا الوقت فإن كل معلومة ترد على العقل تكون
ضعيفة الثبات والاستقرار، يعني: ثبت علمياً أن ما يُلقى للإنسان إلى المعرفة زائد
على عمره خمس دقائق، بمعنى: أن لو كان عمره مثلاً عشرين سنة يضيف إلى هذه العشرين
خمس دقائق، فيكون خمسة وعشرين دقيقة هي الفترة الذهبية لاستيعاب العقل للمعلومة،
بعد الخمسة وعشرين يبدأ العقل في الضمور، وعدم القدرة على الاستيعاب فبعد كل نصف
ساعة حاول أن تتروح، أن تتريث "اذكر الله" مثلاً:
تقرأ نصف ساعة ثم تترك
الكتاب، وتغمض الجفنين، لراحة العين من تعب وعناء القراءة، هذا في حق من يقرأ
ويتعب..
لكن للأسف الواحد يجد
أن كثيرًا من طلبة العلم لا يمارس هذه العادة، إن كثير من طلبة العلم لا يجلس أمام
الكتاب مثلاً خمس ساعات؛ يقول:
لا أستطيع.. صحيح لا
تستطيع أن تستمر، ولكنك بالمراوحة، وباتباع الطريقة العلمية الصحيحة في القراءة
تستطيع أن تستمر الساعات الطوال في لذة ونشوة وفرحة، وأيضاً باستفادة قصوى من
القراءة؛ تغمض العينين، وتستلقي قليلاً وتذكر الله U وخاصة:
"لا حول ولا قوة
إلا بالله"؛ فإنها من أنفع الأذكار المُجَرَّبة التي تمد الإنسان بقوة عجيبة،
أو بالاستغفار، أو بأي نوع من أنواع الذكر؛ حتى تسترخي الأعصاب الذهنية، وتستطيع
أن تعاود بعد ذلك القراءة بِنَهم وقدرة ونشوة.
من الوسائل هذه فوائد
نُسِّينا أن نذكرها في اللقاء السابق، نعيد استحضارها عند قراءة بقية القاعدة.
أيضاً قلنا: من وسائل
تحصيل النهم: اختيار الكتب التي تقرأها:
فإن هناك أناس
يُهمِلون المنهج العلمي والاستنصاح والمشاورة في شراء الكتاب، فيبدأ طلبه للعلم،
أو مشواره في قراءة الكتاب، أو عادة القراءة مثلاً يبدأه بكتاب صعب عسير، فتنقطع
به العادة؛ لأنه يُصدم بواقع لم يعهده، يريد أن يقرأ مثلاً في الأصول، فأتى إليه
واحد، وقال له: اقرأ في "مختصر ابن الحاجب" أو في "الإحكام"
فعندما أراد أن يقرأ في "الإحكام" لم يفهم شيئًا، فبهذه الصدمة انصرف عن
قراءة العلم، ولكنه لو نُصِحَ واختار الكتاب المناسب لذلك، سيأتي من الفوائد
أيضاً:
الكتاب المناسب في
الوقت المناسب: إذا اختار الكتاب المناسب في الوقت المناسب فإنه سيستمر في تدرجه
ورُقيه حتى يصل إلى أعلى المستويات.
أيضاً من الوسائل
المُحَصِّلة للنهم في القراءة أن يصير في قراءته للكتب وفق منهج علمي صحيح مُتابَع
ومُراقَب من واحد متخصص من المتخصصين، وأيضاً استشارة أهل العلم في اختيار الكتب،
وفي انتقاء أنواع الكتب التي يريد قراءتها.
القاعدة
الرابعة: اختيار الكتب.
أن تختار الكتاب
المناسب لمرحلتك التي تدرسها.
ثم ذكرنا بعض القواعد
المُتَعَلِّقة باختيار الكتب، يعني: المطولة لا نحتاج إلى سردها الآن.
القاعدة
الخامسة: النَّهم في شراء الكتب:
بعض الإخوة ربما يُلَبَّس
عليه:
أولاً: أهم شيء لابد أنك تختار
وتنتقي الكتاب المناسب كما قلنا، ولكن إذا وُسِّعَ عليك واستطعت أن تشتري أي كتاب
من أي مكان، وفي أي وقت فلا تبخل على نفسك حتى لو لم تقرأ الكتاب؛ لأن المال الذي
لا تنفقه في شراء كتاب ينفعك ستنفقه -ولا شك- في شيء لا ينفعك؛ لأن في هذا العصر
ستجد أن مجالات الإنفاق واسعة جداً، يشتري "بُنْبون" يشرب مياه
غازية"، يشتري "جرائد" يشتري "شيكولاته"، فمثل هذه الأموال
لو أنفقها، وصرفها في شراء الكتب -دون شك- ستعينه كثيرًا على أن يضبط مسألة
الانتفاع بالمال الذي لديه، وبلا شك إن النفس قد تتألم لفوات بعض الملذات؛ فيبتغي
مثلًا: أن يأكل أكلة، ونحن تكلمنا قبلُ أن من عادة طلبة العلم أنهم يُفْلِسُون إذا
ما بدءوا في طلب العلم؛ لأنه قيل: «من طلب العلم أفلس» أو «من طلب الحديث أفلس»
فكان من طلبة العلم من يدَّخِرُ من قوته، يعني: من ضروريات طعامه، ومن ألوان
لُبْسِهِ في سبيل أن يشتري الكتاب.
لا نريد أن نصل بكل طلبة العلم، أو
بكل الناس إلى هذا المستوى، لكن لا أقل من أن تُشعِر نفسك لذة شراء الكتاب؛ لأن
شراء الكتاب في حد ذاته من أعظم اللذات في حق من يحبون العلم والمعرفة.
مثلًا: تضحي بأكلة معينة تشتهيها
نفسك، تُضحي بهذه الأكلة الشهية اللذيذة وتَدَّخِرُ هذا المال لتشتري به كتاباً،
هذا الكتاب قد لا تقرأه اليوم، ستقرأه غداً، إن لم تقرأه غداً، قد تقرأه بعد سنة
أو سنين أو بعد عشر سنين، قد لا تقرأه مطلقاً فيقرأه غيرك، قد لا يقرأه غيرك،
فيقرأه أولادك وأحفادك، فإنه لا تضيع حروف أبداً أقسم الله U بها؛ ﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا
يَسْطُرُونَ ﴾ [القلم: 1].
لا يضيع العلم أبداً، بل لابد أن
ينتفع به أحد من الناس.
وتكلمنا أيضاً في "القاعدة
السادسة" عن كيفية توفير المال، والوسائل لشراء وتحصيل الكتب.
و"القاعدة
السابعة": في ارتياد المكتبات العامة والخاصة، والآداب المتعلقة بذلك.
في "القاعدة
الثامنة" عن الاستعارة من المكتبات الخاصة والعامة، وآداب الاستعارة.
و"القاعدة
التاسعة": في أحكام متعلقة بالاستنساخ والتصوير.
"القاعدة
العاشرة" : منهج العلم، منهج علمي واضح.
القاعدة
الحادية عشرة: نوعيات الكتب من حيث احتياجها
إلى التدبر والفَهْم، وقلنا: أن
الكتب نوعين:
نوع يحتاج إلى التدبر وفهم وتعمق
أثناء القراءة، ونوع لا يحتاج إلى ذلك.
وتكلمنا في القاعدة
"الثانية عشرة": عن الجو الصحي للقراءة، وحالة الاختيار.
طبعاً شرح ذلك والإسهاب فيه يحتاج
إلى وقت، فالإخوة الذين لم يحضروا يعذروني؛ هذه الأمور فصلناها تفصيلاً في اللقاء
السابق.
"القاعدة
الثالثة عشر": عُدة القارئ، أي: ما
يجب أن يستحضره من عُدة أثناء قراءته الكتاب منها استحضار الذهن، ووجود ورقة وقلم
للتقييد، ووجود المعاجم اللغوية والكتب الخادمة.
و"القاعدة
الرابعة عشرة": أنواع القراءة، وقلنا:
القراءة من حيث الكيف،
ومن حيث الكم.
أما من حيث الكيف:
ثلاثة أنواع: قراءة التحقيق،
وقراءة الجرد، و قراءة الاستطلاع.
وقلنا: أن قراءة الجرد:
هناك قراءة جرد "استيعابي"
وجرد "انتقائي" وشرحنا ذلك.
"وقراءة الاستطلاع"
قلنا: تكون بقراءة المقدمة والخاتمة، وملخصات الأبواب والفصول.
أما القراءة من حيث
الكم: فتنقسم إلى سريعة وبطيئة.
يعني: في خلال هذا الأسبوع أوقفني
بعض الأحباب على مُؤلَّف مُصنَّف في فوائد القراءة، أول مرة أطلع عليه اسمه:
"الطرق الجامعة للقراءة النافعة"، وهذا أول كتاب أقف عليه في ذِكر بعض
الفوائد التي تكلمنا عنها، فننصح بقراءته، أو بالحصول عليه إذا تمكَّن ذلك، اسمه
"الطرق الجامعة للقراءة النافعة"، تأليف محمد بن حسن بن عقيل بن موسى.
في هذا الكتاب تعرَّض
لذكر كيفية القراءة السريعة، ونحن لم نتكلم عنها في اللقاء السابق لضيق الوقت،
قلنا:
إن القراءة من حيث
الكم: إما أن تكون قراءة سريعة أو قراءة
بطيئة.
ذكرنا أيضًا: أن متوسط
سرعة القارئ العادي للقراءة ينجز حوالي "مائتين كلمة" في الدقيقة، من "مائة
وخمسين" إلى "مائتين" كلمة في الدقيقة، أقل من مائة وخمسين يكون
قارئ بطيء، من "مائة وخمسين" إلى "مائتين" كلمة في الدقيقة
يُعتبر قارئ متوسط، من "ألف" فما فوق يُعتبر قارئ سريع.
ومسألة القراءة
البطيئة والسريعة ليست مسألة عادة فقط بِحَسْبِ أيضاً ما هي مسألة علمية مبنية على
التريض؛ أي: على المداومة وإجمال القراءة، واتباع أساليب علمية في تحصيل أكبر قدر
سرعة من القراءة.
اليوم لم أكن أعلم كم
مقدار قراءتي، فحاولت أن أقيس، فوجدت أن الواحد نسبته في الكلام مع السرعة
السريعة، مع الإسراع في القراءة حوالي "ثلاثمائة" كلمة في الدقيقة، وهذا
يعتبر قارئ متوسط السرعة، لكن المؤلف يذكر أن هناك من الناس من يقرؤون بما معدله "ألف
ومائتين" و"ألف وخمسمائة" كلمة في الدقيقة!
هذا معناه أنه يقرأ هذا الكتاب
الذي تُعَدُّ صفحاته بـ"مائة" تقريباً أن يقرأ هذا الكتاب في حوالي خمسة
أو عشرة دقائق..
هذا الكتاب الذي حوالي "مائة"
صفحة أن يقرأه؛ لأن أنا حاولت أن أقرأ حوالي ثلاث، أربع صفحات في دقيقة، لكن بهذا
المعدل الكتاب يحتاج إلى تقريباً يعني إلى ثلث أو نصف ساعة عشان يُقرأ كله، لكن
بهذا المعدل المذكور حوالي "ألف ومائتين" أو "ألف وخمسمائة"
كلمة في الدقيقة يمكن يقرأ الكتاب في كما قلنا "خمسة دقائق".
وهو يعني دراسة ومثَّلَها بالمجلد
الأول من "ظلال القرآن" للأستاذ سيد قطب، فقال:
إن المجلد الأول حوالي "ستمائة"
صفحة تقريباً، وأن الصفحة الواحدة من هذا المجلد فيها حوالي "خمسمائة"
كلمة، تستغرق من القارئ المتوسط حوالي "ثمانين" ثانية، يعني دقيقة وثلث.
وعلى هذه الحِسْبَة القارئ المتوسط
يستطيع قراءة هذا المجلد كله في حوالي "ثلاثة عشر" ساعة.
لكن القارئ السريع سيقرأ المجلد في
عشر ساعات، والقارئ البطيء يقرأ المجلد في أكثر من ثلاثة عشر ساعة، "خمسة عشر"
ساعة، أو فما فوق..
وعلى ذلك: فإذا كان عدد مجلدات في "ظلال
القرآن" حوالي ست مجلدات، فالقارئ السريع يستطيع قراءة ستة مجلدات في ستين ساعة، والقارئ
المتوسط يقرأ الست مجلدا في تسعين ساعة تقريباً.
القارئ البطيء يقرأ الست مجلدات في
"مائة وخمسين" ساعة..
فانظر القارئ السريع "ستين"
ساعة، والبطيء "مائة وخمسين" ساعة.
البطيء نحن حددنا البطيء بما هو
أقل من "مائة وخمسين" كلمة.
لكن هناك بعض الناس يقرأ عشر كلمات
في ساعة، إلى أن ينتهي منهم ويفهمهم، هذا خطأ وقصور لابد أن يتلاشى بطريقة علمية
أيضاً سنذكرها إن شاء الله..
فتخيل البُعد الشاسع بين "ستين"
ساعة لقراءة ست مجلدات، وبين "مائة وخمسين" ساعة يعني فرق "تسعين"
ساعة، تستطيع بالتدرب والمداومة والإدمان أن تستغل أو أن توفِّر لنفسك في قراءة في
"ظلال القرآن" مثلاً أن تُوفِّر تسعين ساعة، والتسعون ساعة تُعدُّ أيام
عديدة.
الشاهد: مثلاً "صحيح
مسلم" لا يُقارن بالقرآن؛ القرآن الكلمات فيه
صغيرة، صحيح مسلم الصفحة فيه لا يمكن أن تصل إلى خمسمائة كلمة، من الممكن أن تصل
إلى ستمائة كلمة.
الشاهد: أنك بالدُربة والمداومة
تستطيع أن تختزن وتختصر لنفسك ساعات طوال في مسألة القراءة.
هو يذكر أن القراءة
السريعة مبنية على أُسُس علمية، وصُنِّفت فيها مصنفات غالب هذه المصنفات مصنفات
غربية، ويقول: إن سرعة القراءة مبنية على طريقتين، أو على أسلوبين، أو على
قاعدتين:
القاعدة الأولى:
التقليل من مسألة النكوص والارتداد.
ما معنى النكوص والارتداد؟
هناك أناس يقرؤوا الجملة والعبارة؛
لِنَقُل مثلاً عبارة:
"من خلقه الله للجنة لم تزل هداياها تأتيه من المكاره"
هل فهمها أحد؟
هناك من الناس من يقرأ العبارة
ويفهمها من أول مرور، وهناك من لا يفهمها من أول مرة، فيرجع إلى العبارة مرة
ثانية، وهذا يُسمى "النكوص والارتداد".
وهذا "النكوص والارتداد"
يتفاوت بين القارئين، لكنه يلتهم ويستهلك من أوقات قراءتك.
عمل إحصائية يقول إن مسألة "النكوص"
تستهلك، أو تُكلِّفك خمسين كلمة في الدقيقة، في حق القارئ المتوسط الناكص المتوسط،
خمسين كلمة في الدقيقة..
يقول: لو فرضنا أن شخصاً قرأ لمدة
ساعتين، وصدر عنه ارتداد،هذا
الارتداد في كل دقيقة يُكلِّفك
خمسين كلمة، فَسَيُضَيِّع هذا الناكص المستمر في النكوص ستة آلاف كلمة في تلك
الساعتين.
وإذا علمنا أن القارئ يقرأ مائتين
كلمة في الدقيقة، فينتج عن هذا أنه خسر ثلاثين دقيقة من الساعتين.
هذا النكوص هو الذي
يستهلك، أو يحرق وقتك في القراءة.
إذًا: الطريقة الأولى:
أن تحاول قدر الإمكان من التقليل من النكوص.
يقول: "الارتداد والنكوص"
قد يكون طواعيًا، وقد يكون غير طواعي.
الطوعي: بأن العبارة تكون شديدة
الصعوبة، فيحتاج لزامًا أن يرجع إليها ويعيد قراءتها لفهمها.
لكن هناك ارتداد ونكوص غير طوعي.
ما معنى غير طوعي؟ أي: هذه عادته،
أنه لا يقرأ الجملة مرة واحدة، لابد أن يقرأها مرة واثنين وثلاثة..
فهذا النكوص والارتداد غير الطوعي؛
أي: المُكتسب بسبب عادة استمر عليها هو الذي يُكلِّف القارئ في الوقت..
وعليه: فأولى الوسائل، أولى
القواعد لتحسين القراءة السريعة:
أن تُعوِّد نفسك على المرور على
الجمل، والفهم منها من قراءة واحدة، وتقليل نسبة الارتداد والنكوص، حتى تُقلِّل
نسبة الفاقد من الجمل والعبارات المقروءة، هذه أول قاعدة.
وقد ذكرنا أن الأمر
يحتاج إلى تريض وتعود وتدرب، فلن تأتي من أول مرة، أو الثانية. في السابق قلنا:
هناك قراءة تحقيق
وقراءة جرد، فعلى حسب نوع القراءة أنت تنتقي.
وانتبه: قلنا: هذا فضل الله يؤتيه
من يشاء..
هناك أُناس يستطيعون أن يقرءوا
كتاب صعب، ويمروا على الجملة الصعبة ويفهمها من مرة واحدة، وهذه كما قلنا أيضاً
فضل من الله، وقد تكون أيضاً بسبب الدربة والتروض والتعود على هذا الأمر؛ لأن
الإنسان أصلاً لا يُولَد عالماً وفاهماً ﴿ وَاللهُ أَخْرَجَكُم
مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ
وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ ﴾ [النحل:
78]. وسمع وبصر "فلان" يختلف عن سمع وبصر "فلان".
الرسول r لما قيل له كما قلنا: ((اقرأ،
قال: ما أنا بقارئ)).
(ما أنا
بقارئ): ليس معناها أني لا أريد أن أقرأ، بل معناها: أنا لا
أُجيد القراءة.
فيكون هناك تفاوت؛ هناك مَن يقرأ
ومَن لا يقرأ، والذي يقرأ هناك من يُجيد القراءة وهناك من لا يجيد، والذي يجيد
القراءة هناك من يكون سريع الفهم، سريع القراءة، وهناك من يكون بطيء الفهم بطيء
القراءة.
أحيانًا تقرأ كتاب
فَتَرِد عليك معلومة مُسبَقة، فيكون من الحماقة أو من تضييع الوقت أن تُعيد قراءة
المعلومة..
قصة سبق وقرأتها، وهذه
القصة خمس صفحات، وقرأتها قبل ذلك وتعرفها، فَمِن تضييع الوقت أن تُعيد قراءة
القصة في الكتاب الموجود أمامك.
فلابد أن تتجاوز حتى تنجز الجديد،
أو الحصول على الجديد من المعلومات.
القاعدة الثانية: توسيع مساحة
الرؤية والقراءة.
هناك أُناس يقرؤون
الصفحة أو الكتاب كلمة كلمة، هذه طريقة المبتدئين الذي ما زال "ابتدائي"
أو في "الروضة" يقرأ كلمة كلمة، ويشير على الكلمة،ومسألة القرآن خارجة
عن الموضوع؛ لأن التدبر والفهم شيء آخر.
لكن لنفرض مثلاً:
الجملة التي قلناها: "من خلقه الله للجنة لم تزل هداياه تأتيه من
المكاره".
فيأتي واحد يقرأ: من
خلقه الله للجنة لم تزل هداياها تأتيه من المكاره"، فيقرأ كلمة كلمة، هذه الطريقة طريقة خاطئة، أو
طريقة متأخرة، أو مُتخلِّفة؛ لأنها تستهلك الوقت. هناك أناس يقرؤون سطراً سطراً،
أو جملة جملة، يقرأ الجملة مرة واحدة، يَمُرُّ بسرعة بِعَيْنِهِ وبِفَهْمِهِ أيضاً
على الجملة مروراً واحدا،ً جملة واحدة.
فيقول: الطريقة العلمية لتوسيع
دائرة القراءة: أن تُوسِّع مساحة المقروء تدريجياً، فإذا كنت ممن يبتدئ في القراءة
ابتدئ بقراءة الجمل كلمتين كلمتين، أو كلمة كلمة، ثم كلمتين كلمتين، ثم ثلاثًا
ثلاثًا، ثم خمسًا خمسًا، ثم سطراً سطراً، ثم سطرين سطرين، وهكذا حتى تستطيع أن توفِّر
من الأوقات مع الدربة أن تمر على نصف الصفحة، بل على الصفحة كلها في خمسة ثواني
فتقرأها.
هذه ليست ضرب من
الخيال، بل مبني على أسس علمية ومُجرَّبة وحاصلة، من بعض الناس يقرؤون بهذه
الطريقة.
فالمؤلف أورد مثال:
يقول مثال التدرب:
فمثلًا: تتدرب على قراءة الفصول
كلمة كلمة؛ "من خلقه الله للجنة لم تزل هداياه تأتيه من المكاره" هذه
قراءة في السطور كلمة كلمة..
وبعد ذلك يبتدئ في قراءة الكلمات
كلمتين كلمتين؛ "من خلقه الله للنار لم تزل هداياه تأتيه من الشهوات"
كلمتين كلمتين.
ثلاث كلمات: "علامة الصادق
إذا نظر اعتبر، وإذا صمت تفكَّر، وإذا تكلَّم ذكر، وإذا مُنِعَ صبر، وإذا أُعطِيَ
شكر، وإذا ابتلي استرجع، وإذا جُهِلَ عليه حلم، وإذا علم تواضع, وإذا علَّم رفق،
وإذا سُئل بذل" ثلاث كلمات، ثلاث
كلمات..
فلو أن الشخص متدرب
على قراءة الـ"كلمة كلمة"، "إذا نظر اعتبر" فلابد أن يفهم كل
كلمة، لكن من التدرب "إذا نظر اعتبر، وإذا صمت تفكَّر"، تَرِدُ عليه مع
التدرب، ترد عليه الكلمات تباعًا، دون احتياج إلى كثير تفكير.
ثم يترقَّى أربع
كلمات، "مِنِيَّة الإنسان أفضل من عمله، وعمله أبلغ من قوله، موطنه الحق
ومعقِله الحياء"، ثم يترقى "له
بصائر من النور يبصر بها" فكل ذلك في
علامة الصادق: "له بصائر من النور يبصر بها، وحقائق من العلم ينطق منها، ودلائل من
اليقين يُعبِّرُ عنها".
الشاهد: أنه يترقى
هكذا، يترقى في انتقاء السطور والجمل والعبارات مع تقسيمها بهذه الطريقة.
طبعاً ليس شرطًا أنك تتقيد بنفس
الطريقة هذه.
تـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــابع
بمعنى: أنك عندما ترى صفحة حاول
تقسمها إلى سطور مثلاً، والسطر تقسمه إلى أقسام، فإذا كنت مبتدئًا قسِّم السطر إلى
ثلاثة أقسام، ثم بعد ذلك إلى قسمين، ثم اقرأ سطرين سطرين، هكذا حتى تُعوِّد نفسك
على سرعة القراءة.
ويقول أيضاً:
من قواعد التسريع في القراءة أن
تنقل عينيك بسرعة حال الانتقال من نهاية سطر إلى بداية آخر، حاول أن تنقل عينيك
بسرعة حال الانتقال من نهاية سطر إلى بداية آخر.
أحيانًا في الكتب الطويلة، الكبيرة
القطع، عندما الإنسان يقرأ، لو أنه رجع إلى أول السطر هذا التحول قد يكلفه جزء من
الثانية، أو ربما يكلفه ثانية في حق البطيء، لكن هذه الأجزاء المتوالية من الثواني
قد تتكون فتصير دقائق، بل ربما ساعات مع طول القراءة، وسرعة الانتقال والتحول، بل
سرعة المرور على السطور، والتدرُّب على ذلك، هو الذي يعودك ويعينك على اختصار
الأوقات، ووضعك في الاعتبار -أنك تضع في اعتبارك- ضرورة الانتقال السريع بين
السطور هذا أيضاً يُعينك على السرعة؛ لأن من الناس من يكون مُوَسْوَس، وهذه الوسوسة
أيضاً آثارها السلبية تأتي حتى في القراءة.
ما المراد
بـ"الموسوسين"؟
يمر مثلًا على الكلمة فلا يفهمهما،
فيرجع يقرأها ثانيةً.
هذه الوسوسة ستُكلِّفُك الكثير في
الوقت في تحصيل كثير الوقت في القراءة.
أيضاً: الانتقال
السريع بالعين يحميك من التشتت وعدم التركيز ويحول بينك وبين تضييع السطور
القادمة.
ثم يضرب مثالاً للتدرُّب على مسألة
تسريع القراءة فيقول:
ولحساب التطور في سرعة القراءة خذ
كتاباً معيناً متوسط الحجم -مثل هذا الكتاب- ثم احسب كم صفحة فيه، واقرأ الصفحة
الأولى منه بِنِيَّة، أو بإرادة تطوير سرعة القراءة.
أي: أنك ستقلل من نسبة الارتداد،
وتحاول توسيع مجال الرؤية كما شرحنا سابقًا، اقرأ في المرأة الأولى خمس صفحات
مثلاً بهذه الطريقة، وسجِّل الوقت، تقرأ خمس صفحات وتسجل في كم قرأت هذه الخمس
صفحات، ثم في المرة الثانية اقرأ خمس صفحات أخرى وضاعف الجهد المبذول في تقليل
نسبة الارتداد، وفي توسيع مجال النظر والقراءة، ثم احسب هذه النسبة أيضاً، وهكذا
حتى تصل لمعدل مرضٍ وقراءة سريعة مع فَهم متطور يواكب فيك السرعة.
هذا مروراً سريعاً على
بعض القواعد المتعلقة بتسريع القراءة.
قلنا أيضاً من الفوائد
المهمة: إدمان قراءة الفهارس:
لأن الفهارس ترتب لك المعلومة في
ذهنك.
وأيضاً تكلمنا على كيفية تخزين
المعلومة عند القراءة:
طريقة "الكمبيوتر" أو
طريقة "الدَّوْلَبة" ، أو طريقة "الدولاب"؛ تتخيل ذهنك بمثابة
الدولاب، وأن الكتاب الذي ستقرأه ستُخَزِّنُهُ في هذا الدولاب، وأن هذا الدولاب عبارة
عن أدراج، وتُقسِّم أبواب الكتاب إلى أدراج، فتقرأ الكتاب مثلاً وتقول:
أنا سأقرأ الكتاب هذا، إذن: سأفتح الدولاب، في ذهنك كأنك فتحت
"دولاب" فتحت الدولاب وجدت "الدولاب"
فيه أدراج، والكتاب طبعاً فيه أبواب، قرأت الباب الأول إذًا: فتحت الدرج، تقرأ
الباب الأول فتحت الدرج الأول، وضعت المعلومات، معلومات الباب الأول في الدرج
الأول، بعد ما أنهيت الباب الأول تُعلق الدرج وتسترجع معلومات الباب الأول في ذهنك
سريعاً بعد إغلاقه.
الآن قد عرفت معلومات الباب الأول،
أو الدرج الأول.
هذا مثل شخص عنده
"دولاب" و"دُرج" يعلم أن الدرج الأول مثلاً فيه مثلاً كذا،
والدرج الثاني فيه كذا، ولو سُئل مثلاً: الدرج الأول مِنْ دولابك ماذا فيه؟
سيقول: فيه كذا وكذا وكذا، وهكذا.
مثل: ربة المنزل، المرأة في
البيت.. أدراج المطبخ.. الدرج الأول فيه "الشِّوَك والسكاكين والملاعق"،
الدرج الثاني فيه كذا وكذا وكذا..
فهذا الأسلوب يعينك على ترتيب
وتنظيم المعلومة حتى لا تتشتت، أو بعبارة أكثر بدقة ووضوح: تتبعثر ما بين أجزاء
تلافيف المخ.
القاعدة
الثامنة عشرة:
في عَنْوَنة الكتب غير
المعنونة:
قد تُبتلى أو تُصادَف بقراءة كتاب
ليس فيه عناوين، المعلومات أو المسطور في الكتاب ينداح بسيولة وفيضانية، ليس فيه
أي عنوان، الكتاب من أوله لآخره "بسم الله الرحمن الرحيم" وبعد ذلك
الصفحة كلها مليئة بالكلام، ليس بها أي عناوين.
للأسف هذه الكتب ثبت علميًا أنها
عسيرة القراءة، وتَلَقِّي وهَدْي المعلومة منها صعب يحتاج إلى جهد ومشقة.
فعلاج هذا النوع من الكتب يكون
بعنونتها؛ أنه يقرأ المقطع ويُعَنْوِنَهُ، لماذا؟
من أجل أنه عندما يقرأ الكتاب مرة
ثانية، أو أثناء مذاكرته للكتاب يستطيع أن يُصنِّف المادة العلمية.
وهذه الطريقة مفيدة جداً للطلبة،
طلبة المدارس، عنونة الكتب، العنونة تكون عناوين صماء، أو عناوين استفهامية، هذين
النوعين المعروفين.
عناوين صماء مثل:
مثلاً يقال عنوان "بابٌ في
كذا"، "بابٌ العلم قبل القول والعمل".
وإن أتم؛ لأنه مبني
على جملة صماء، ليس فيها أي إنشاء، جملة خبرية، فهناك عناوين استفهامية مبنية على
سؤال.
مثلاً: "بابٌ هل
أكل لحم الجزور ينقض الوضوء".
فهذا عنوان مثلاً في سياق مسألة
قرأتها مثلاً في "نيل الأوطار"، ستجد الكلام كله مسترسل، فتضع هذا
العنوان الاستفهامي، أو العنوان الأصم في حاشية الكتاب، هذه العناوين ستعينك حتى
بعد ذلك أثناء استرجاعك، وأثناء مراجعتك ورجوعك لمعلوماتك وقراءاتك فتعينك على
الحصول على المعلومة في أقرب وقت ممكن، بخلاف ما لو كان الكتاب الذي تقرأه من هذه
الصورة ليس مُعَنْوَنًا ستجد صعوبة، وستبتدئ من جديد للبحث عن المعلومة، لكن لو
كان حواشي الكتاب مكتوب فيه مثل هذه العناوين فيسهل عليك بعد ذلك البحث عن المواطن
المطلوبة.
القاعدة التاسعة عشرة:
في ذكر الوسائل لفهم العبارات
الصعبة في الكتب:
الصعوبة: صعوبة المادة المقروءة،
أو صعوبة المعلومة المقروءة مبنية على أسباب:
السبب الأول: قد يكون سبب نفسي،
وهو أن هناك حواجز بين هذا القارئ، بين طالب العلم وبين المادة، أو بين الكتاب
الذي يقرأه، هذه الحواجز النفسية قد تحول بينه وبين فَهم المادة المقروءة مع إن
المادة المقروءة قد تكون من أسهل ما يكون.
إذن: العلاج في حق هذا الإنسان أن
يزيل هذا الحاجز النفسي، هذا الحاجز النفسي قد يكون بسبب أن إنسان أخبره أن هذه
المادة صعبة، ولا تحاول الاقتراب منها، ولو حاولت تقرأ لن تفهم..
فبذلك هو وطَّن نفسه على هذه
النفسية، فصار لم يقرأ أي كتاب خُوِّفَ منه أو من علمه يظن أنه صعب وعسير فيحال
بينه وبين الفَهم.
فلابد أن يزيل هذا الحاجز النفسي
بأن يحبب لنفسه هذه المادة أو هذا العلم أو هذا الكتاب.
كيف يحبب لنفسه هذه المادة؟
مسألة تلقين النفس، أو العيش في
خيالٍ وهمي للوصول إلى واقع حقيقي، هذا أمر مفيد جداً في كثير من الأمور.
وبهذه الطريقة يُعالَج كثير من
المرضى النفسيين؛ لأن معظم الأمراض النفسية مبنية على خيالات ووهم، فيأتي الدكتور
النفساني أيضًا يجعله يعيش في خيال وهمي إلى أن يعالجه. مثلاً: مريض نفسي يظن أنه
عصفور، فيتعامل، أو يتصرف تَصرُّف العصافير، فيعيش معه الدكتور النفساني إلى أن
يُحَسِّسُهُ إنه "إنسان".
كذلك الذي يكره علم من العلوم، أو
كتاب من الكتب يحاول يُعيِّش نفسه في خيال ووهم أنه يحب المادة ويعشقها، ولا
يستطيع التَّخَلِّي عنها حتى تضحي هذه المحبة محبة حقيقية فَيُفْتَحُ له في هذا
العلم.
لكن لو انغلق عليه هذا
العلم مع المداومة والاستمرار فلا يستمر فيه، بمعنى: لو انغلق عليك علم من العلوم،
وحاولت وجاهدت فيه، ولابد من المجاهدة، لأنك لا تترك علماً أبداً من أول محاولة،
هذا دليل عجز وقصور وعدم وجود همة، لكن إذا ما حِيل بينك وبين هذا العلم، مع كثرة
القراءة والاستمرار فيه فجاوزه إلى علم آخر..
وفي سبيل ذلك تذكرون
ما ذكرناه في "أربعين قاعدة في طلب العلم":
قلنا: إذا لم يُفتح
عليك في هذا العلم جاوز هذا العلم إلى غيره، أحد تلاميذ الخليل بن أحمد "الفراهيدي"
كان يتعلم عليه "علم العروض"، علم عروض: علم أوزان الشعر، بحور الشعر،
فجلس يُعَلِّمُهُ الأوزان والبحور والقوافي، والتلميذ ليس فاهمًا، فأحب الخليل بن
أحمد يفهمه ويعمله أن يتجاوز عن هذا العلم إلى علم غيره؛ حتى لا يُضيِّع الوقت،
فقال له: خذ قسَّم هذا البيت، قال: هاته، فقال:
ففهم الأمر وجاوز هذا
العلم إلى غيره وتعلَّم غيره.
الشاهد: أنك إذا
استغلق عليك هذا العلم بعد محاولات شديدة ومستمرة وهمة عالية، لا تُضيِّع وقتك مع
هذا العلم أو هذا الكتاب وجاوزه إلى شيء آخر تحبه وتتقنه.
نحن قلنا الحاجز
النفسي هذا عامل من عوامل صعوبة المادة المقروءة.
من العوامل أيضاً: عدم التوفيق.
بل ربما هو من أهم العوامل، عدم
التوفيق من الله U والخذلان -والعياذ بالله- لفساد
النية وسوء السَّوِيَّة، فمثل هذه الأمور تزول بتحسين النية، وصدق اللُّجأ، وتحسين
القصد والتضرع إلى الله تبارك وتعالى.
وكان الإمام ابن تيمية إذا استغلقت
عليه العبارات، وصَعُبَت أمامه الكلمات لجأ إلى المقابر والبيوت الخربة وألصق خده
بالتراب وقال: «اللهم يا مُعَلِّم إبراهيم علمني ويا مُفَهِّم سليمان فهمني».
لأن مصدر الإلهام والتسليم
والتوفيق كله من الله، هو الذي خلق العقول وهو الذي يوفقها للفهم كيف شاء U، فمصدر التوفيق من الله، فليضرع
ذلك المُستَغْلَق عليه أن يضرع إلى الله ليوفقه لفهم ما استغلق عليه.
أيضاً من الوسائل:
سؤال العلماء عن المادة الصعبة التي يقرأها.
وأيضاً: البحث في الأصول
والمختصرات والمراجع والشروح، فالمادة المقروءة عبارة من العبارات قد يكون تفسيرها
في كتاب أوسع، أكثر مجالاً، قد يكون تفسيرها في كتب من الكتب الخادمة التي تكلمنا
عنها، قد يكون تفسيرها في فك طلاسم ما في بعض الكلمات المُغلَقة التي تحتاج إلى
فهم اصطلاحاتها، وهذا أمر مهم جداً.
إن كثيرًا من الإخوة أو من طلبة
العلم، يقرؤون الكلمات بالاصطلاح العرفي العام، أي: يفهم الكلام بـ"الفتاكة"
بـ"الفهلوة"، هذا خطأ، وخاصةً إذا كنت تقرأ كتاباً متخصصاً لماذا؟ لأن
العالِم الذي يؤلف الكتاب يقصد الكلمة، بل يقصد مجاورة الكلمة للكلمة، فبالتالي لا
يجوز إنك تفهم الكتاب باصطلاحك أنت، لابد وأن تفهم الكلمة باصطلاح علماء هذا الفن،
بل ربما كان للمؤلف اصطلاح خاص، فلابد أن تفهم اصطلاح هذا العالِم بعينه؛ حتى
تستطيع أن تتعرف على مراده من كلماته.
لذلك: تجد أن بعض
العلماء في بعض في كتب الفقه –مثلاً:- يحكي إجماعات، في بعض كتب الفقه يحكي المؤلف
إجماعات عن العلماء، فالذي لم يقرأ مقدمة الكتاب يظن أن أي إجماع مَحْكِي في هذا
الكتاب فهو إجماع مطلق، أي: إجماع من كل علماء الأمة، بينما المؤلف اصطلح في كتابه
-اصطلح يعني: وضع اصطلاح معين- أن أي إجماع سيحكيه فالمراد به إجماع المذاهب
الأربعة، فتكون مشكلة أنه يحكي إجماع المذاهب الأربعة، ويريد إجماع المذاهب
الأربعة، ويأتي شخص يقرأ الكتاب بدون الرجوع إلى الاصطلاح، فيقول مثلًا: هذا أمر
مجمع عليه..
كتاب "بلوغ
المرام" كتاب في الحديث للحافظ ابن حجر، اصطلح على أن كلمة "متفق
عليه"، يعني رواه الشيخان البخاري ومسلم، فيأتي شخص لم يقرأ اصطلاح ابن حجر "متفق
عليه" يعني على صحته من كل العلماء، يقول: هذا حديث "متفق عليه" من
البخاري ومسلم وغيرهم، بينما الأمر قد لا يكون كذلك.
اصطلح مثلًا: على أن
قوله "رواه الخمسة" المراد به أهل السنن الأربعة، هو حدد طبعاً الأربعة،
بأن المراد بهم "أبو داود، وابن ماجه، والنسائي، والترمذي" لماذا؟
لأن بعض العلماء صنَّف كتب في
الحديث، واصطلح على أنه إذا قال: "رواه الأربعة" فالمراد به
"النسائي والترمذي وأبو داود ومالك" ليس " ابن ماجه"؛ لأن "موطأ
مالك" كان في بداية العصور أشهر من ابن ماجه، وهو في الحقيقة أصح من ابن
ماجه، وأكثر صحة منه من حيث الأحاديث وطُرُقِها.
فالشاهد: أنه لابد من
معرفة الاصطلاح؛ حتى لا يَزِلَّ ويضل في فَهم كلام العلماء أثناء قراءته لكتبهم.
القاعدة
العشرون:
في أنواع القراءة:
هناك قراءة من حيث الكم، وقراءة من حيث الكيف.
والقراءة من حيث الكم: قراءة سريعة
وبطيئة..
والقراءة من حيث الكيف: قراءة تحقيق،
وجرد، واستطلاع.
قراءة التحقيق -كما قلنا- هي:
القراءة المتأنية البطيئة الغائرة في أعماق المعاني، في معاني المعاني كما يقول "الجُرْجاني"
بل في ما وراء الألفاظ والمعاني، هذه القراءة التحقيقية القاعدة فيها: أنك لا تُسلِّم
بأي نقل من النقول، بمعنى أن عندما تأتي لتقرأ كتاب قراءة تحقيق؛ لنفرض مثلاً:
ستقرأ "فقه السُّنة" قراءة تحقيق، يعني: ستذاكر الكتاب هذا مذاكرة
مُتَفَحِّصة، لا تُسلِّم بأي نقل، بمعنى: مثلاً أتى في حديث قال الشيخ "سيد سابق"
فيه رواه البخاري ومسلم، لا أُسلِّم بهذا، بل لابد أن أعرف فعلاً هل رواه البخاري ومسلم؟ وهل رواه البخاري ومسلم فقط أم
هناك مَن رواه غيرهما ؟
هذه قراءة التحقيق: عدم التسليم
بالنقول؛ لأن الأصل أنك تُحقق كل معلومة تمر من هذه الحَدَقَة، كل معلومة تمر من
هذه الحدقة فإنك تحققها بحذافيرها.
وهذه الفائدة في أثناء قراءة التحقيق: هذه
المسألة تغيب أثناء قراءة الناس "قراءة التحقيق" والفهم لبعض النصوص هذه
المسألة الحيوية قد تغيب عن كثير من الناس، يقرأ في "فقه السنة" رواه
البخاري ومسلم، يقول: انتهى رواه البخاري ومسلم، وهذا الأمر خطأ؛ حتى في قراءة، بل
في الكتب المعتمدة في النقل لا تُسلِّم بها.
فلابد أن ترجع إلى الأصول في تحقيق المادة المقروءة التي
تقرأها، هذه المسألة تكاد تحيط بتزويد الحصيلة العلمية، بل تجعلك من المتميزين في
المادة العلمية، لماذا؟
لأن صلتك بالمادة
العلمية هنا صلة مباشرة، ليست صلة بواسطة.
وأشأم شيء في حق طالب العلم أن يأخذ العلم بواسطة، يعني
مثلاً:
تخريج الأحاديث يأخذها من كتب "الفقه" هذا خطأ؛
لأن كتب الفقه في الغالب الأعم تخطئ في التخريج، وهذا أمر معروف عند الدارسين
والباحثين، يأخذ المسألة الفقهية من كتب الحديث، تحقيق المسألة الفقهية يأخذها من
كتب الحديث هذا خطأ.
نقول: المذاهب يأخذها من غير مذلتها، هذا خطأ، يعني: مثلاً
"تفسير القرطبي" الإمام القرطبي من كبار الفقهاء، ومعروف أن "تفسير
القرطبي" تفسير فقهي، يعني تفسير لآيات الأحكام في الأعم الأغلب، وهو حينما
يتكلَّم عن المسألة العلمية يذكر خلاف العلماء ويعزو لأرباب المذاهب، عزوه لكثير
من المذاهب فيه خطأ، لماذا؟
لأن "القرطبي" متقدِّم جدًا، فَعَرْضُهُ لبعض
المذاهب، أو لكثير منها فيه بعض الخطأ، وخاصة: المذهب الحنبلي؛ لأنا نقول:
المذهب الحنبلي لم تستقر إلا في حوالي نهايات القرن السادس
أو السابع، والقرطبي ألَّف هذا التفسير قبل ذلك؛ أي: قبل أن تستقر نقولات، أو أن
يستقر الفتوى في المذهب الحنبلي على كتاب مُعتمَد بعينه، لذلك قد ينقل عن المذهب
الحنبلي أقوالاً ليست مُعتمَدَة في المذهب، وهذا يُحْصُل كثيراً كثيراً، لا في كتب
الحديث فقط، بل أيضاً في كتب الفقه، بل قد يحصل في الكتب المذهبية، يعني كتاب في
المذهب الشافعي مثلاً، قد يحصل الخطأ من الأئمة المتخصصين في نقل الأقوال عن
العلماء، وأئمتهم، يَحْصُل الخطأ في النقل عنهم. لذلك: نجد في المذاهب علماء يُسَمُّوا
علماء الترجيح والتحقيق والتنقيح،.
هؤلاء العلماء متخصصون في تحقيق نسبة القول للإمام، هذا هو
تخصصهم، تخصصهم أن يعرفوا هل هذا القول حقًا للشافعي أم لا..
ومن هؤلاء العلماء مثلاً في مذهب الشافعي: الإمام "الأسنوي"،
يُعتبر من أكبر أئمة الشافعية في هذا المجال.
لذلك: خطأ كثيراً من النقول التي نقلها النووي والرافعي في
كتبهما، وكانت كتب النووي والرافعي من أشهر الكتب المُعتمَدَة.
لذلك: ألَّف كتاب سمَّاه "المهمات"، هذا الكتاب
حرص فيه على تحقيق نسبة القول الإمام الشافعي.
وأيضًا من الأئمة المُعتمدَين المُعتَبَرِين
الإمام النووي، فإنه كان ينقل عن كتب أئمة المذهب، فيأتي بالنقل فيقول مثلاً: قال "الشيرازي"
في "المُهَذَّب"، والشيرازي من أئمة المذهب، يقول مثلاً: والمذهب عندنا
في المسألة كذا.
فيقول الإمام النووي: هذا خطأ فقد نصَّ الشافعي في
"الأم" على كذا، وينقل عبارة الشافعي باللفظ من "الأم".
ومعروف أن المذهب الشافعي المًُعتمَد هو ما كان مسطوراً في
"الأم"؛ لأن هذا الكتاب هو الذي ألَّفه بعد رحلته من العراق إلى مصر،
وهو المذهب المعتمد للإمام الشافعي؛ لأن الشافعي له مذهب قديم في العراق، ومذهب
جديد في مصر.
وينقل العبارة بنفسها من "الأم"
فيكون ذلك رداً واضحاً صريحاً على خطأ ذلك الإمام في النقل عن إمام المذهب
المعروف.
القاعدة الحادية والعشرين:
وهذه ذكرناها قبلُ وشرحناها في سياق كلامنا عن
الفوائد الأخرى. :
ولأن المعلومات تنداح وتسيل فقد تختلط، لكن تنزعها وتنويعها
بهذه الطريقة فقط، يعني: للتنويه بحيث إنك مع مطالعتك المستمرة لهذه القواعد، وهذه
الفوائد تتدرب على السرعة والاستفادة القصوى من القراءة أثناء مطالعتك.
لكن: ليس بالضرورة أن كل قاعدة نحتاج إلي تفسيرها وتفصيلها؛
لأنها قد تكون قد شُرِحَت بإسهاب قبل ذلك.
فالقاعدة الحادية والعشرين:أهمية قراءة
المُقدِّمة باستيعاب لمعرفة اصطلاح المؤلف؛ لأنه قد يذكر اصطلاح العلم، وقد يذكر
اصطلاح نفسه، وقد يذكر اصطلاحاً خاصاً بأبواب مُعيَّنَة، فلابد لمعرفة اصطلاحه
ومراده من كلامه.
القاعدة الثانية والعشرين:
أهمية الكتب الخادمة: اقتناء الكتب الخادمة
والاستعانة بها.
الكتب الخادمة: هي الكتب التي تُعين على فَهم المادة
المقروءة، مثل: المعاجم اللغوية. المعاجم اللغوية: قد تكون معاجم لغوية محضة،
معاجم لغوية معتنية بذكر معاني المفردات، يعني: بصورة غير مرتبطة بأي كتاب على حسب
الترتيب الأبجدي مثلاً..
لكن: هناك معاجم لغوية مُتخصِّصة بتفسير غريب كتب مُعينة،
مثل" المصباح المنير" تخصص في تفسير وشرح غريب ألفاظ "الشرح الكبير"
للرافعي، في الفقه الشافعي.
كتاب "المقنع" تخصص في تفسير الكلمات الغريبة
الواردة في كتاب "المقنع" الحنبلي.
كتاب "تهذيب الأسماء واللغات" كتاب
تخصص في تفسير الغريب الوارد في "المُهذَّب" والتنبيه في الفقه الشافعي
أيضاً.
الشاهد: أن هذه الكتب الخادمة لابد أن تستعين
بها في بيان الكلمات الغريبة التي تقرأها أثناء مُطالَعَتِكَ.
وأيضًا: من الكتب الخادمة: كتب التخريج التي تُخرِّج
الأحاديث، والكتب التي تُفسِّر أجزاء معينة، وهي كتب الحواشي التي تُفَسِّر أجزاء
معينة من الكتاب المشروح، أو المُحَشَّى عليه.
القاعدة الثالثة والعشرون:
أهمية جرد المُطَوَّلات،فلنا
في أنواع القراءة: أنه يوجد قراءة اسمها "الجرد".
والجرد: قلنا: هناك جرد انتقائي، وجرد استيعابي، لكن ما هي
أهمية قراءة الجرد؟
أهمية قراءة الجرد أولاً: أنها تُعيِنُكَ أو
تفيدك في أخذ صورة عامة عن الكتاب، أنت أحياناً تشتري كتاب "خمس مجلدات، عشر
مجلدات" ويقبح بك أن يكون في بيتك لم تقرأه، فلابد من أن يكون لديك فكرة
عنه..
فـ"جرد المطولات" يُعينُكَ على أخذ صورة وفكرة عن
الكتاب، صورة عامة وفكرة عامة..
وقلنا "الجرد" مثلما قلنا هناك: جرد استيعابي
وجرد انتقائي، وهناك القراءة الاستطلاعية. وأيضًا من فوائد الجرد: أنه يزيدك فوائد
عظيمة جدًا لا تجدها أثناء القراءة في مظان العلم، يعني: ممكن تقرأ في الفقه، وفي
كتب الفقه لا تجد فوائد قد تقرأها في كتاب حديث.
فمثلاً: في "فتح الباري" وهو كتاب معني بشرح
"صحيح البخاري" تجد فيه فوائد لا تجدها أبدًا في كتب الفقه، أثناء جردك
السريع على الكتاب تستنبط منه فوائد عظيمة.
ثانيًا: هذا الجرد يُعينك على فَهم اصطلاح
وأساليب ومناهج العلماء في التأليف، بحيث أنك مع استمرار جردك للمطولات تستطيع أن
تعيش مع ذلك المُصنِّف، وتستنبط منه طريقته في التأليف، بل تستطيع من إجمالي جردك
لكتب هذا المؤلف مثلاً أن يكون لديك حِسٌّ مُرْهَف في فَهم أسلوب العالِم، فمن
الممكن أن تَرِد عليك أي عبارة، يقول لك مثلاً اقرأ هذه العبارة، فتقول: هذه
العبارة لا يقولها إلا "ابن القيم" مثلاً أو "ابن حجر"، أو
فلان؛ وذلك لإدمان مُطالَعَتِكَ، وجَرْدِكَ للكتب التي ألَّفها..
فهذا الأمر يأتي بالدُرْبة والمداومة.
القاعدة الرابعة والعشرون:
رَبط العلوم بعضها ببعض، وَرَدُّ الفروع
لقواعدها.
لا تقرأ قراءة استرسالية، قراءة نُسمِّيها
قراءة بحرية نهرية، يعني أقرأ وانتهى الأمر، لا، لابد أن تكون قراءتك مؤسَّسة على
تصعيد، ومعنى التصعيد:
أن تكون مبنية على أُسس واضحة ترجع فيها الفروع إلى قواعد
حتى لا تتيه وتشرد.
فمثلاً: تقرأ في كتاب فيه فائدة حديثية، الأصل أنك تقرأ في
الفقه، لا تُفَوِّت هذه الفائدة الحديثية، لا، تسترجع تقول:
هذه المسألة أنا قرأتها في الحديث في "المصطلح"،
في الباب الفلاني، وهذه المسألة أظن أن فلان الذي كتب لم يتعرض لها بالتخصيص،
فتقوم بتدوينها وكتابتها في صحيفة ذهنك حتى تَرُدَّ الأمر إلى أصله، من أجل أن
تستطيع أن تجمع شتات العلوم، وتربط بين العلوم بعضها ببعض، ولا تكون ممن يقرأ
استرسالاً.
القاعدة الخامسة والعشرون:
لا تقرأ في كتاب يحتاج إلى دراسة علوم مُعينة
قبل دراستها.
يأتي مثلاً شخص يريد أن يدرس "المصطلح"
فيقال له: عندك السلسلة الصحيحة للشيخ "الألباني" اقرأ فيها ستستفيد
استفادة عظيمة..
وهذا خطأ؛ لأن قراءة مثل هذه الكتب للشيخ "الألباني"
أو مثلاً كتاب "التمكين" لـ"المُعَلِّمي" كتب مُتَخَصِّصة
تحتاج إلى دراسة الاصطلاح أولاً.
دراسة المصطلح، وعلم الرجال ومذاهب العلماء في النقد، حتى
تستطيع أن تقرأ عبارات العلماء بدقة، وعدم الخطأ في الفَهْم.
القاعدة السادسة والعشرون:
كُنْ موسوعياً، أي: لا تقف في قراءاتك على أبواب معينة،
فصول معينة، وعلوم معينة، أو ثقافات معينة، بل كنْ
موسوعياً؛ اقرأ في أي شيء، أي شيء يَرِد على يدك وتحت عينك حاول أن تقرأ فيه،
في "علم النفس، في الهندسة، في
الرياضيات ، في الفلك" كل ما يَرِدُ عليك حاول أن تقرأ فيه، أو أن تُلِمَ
ببعض شتاته حتى تستطيع أن تأخذ بعض الفوائد فيه.
كنْ موسوعياً، بمعنى: هذا الكلام في حق كثير المطالعة
والقراءة، وإلا فالفرد المبتدئ في القراءة لا يُعقَل أبداً أن يكون موسوعياً، لأنه
ما زال يؤسِّس، فالذي يؤسِّس ما زال يبتدئ بدايات العلوم، اصطلاحات العلوم.
لذلك: العلماء عندما تكلَّموا مثلاً في علم المنطق، وعلم
الكلام:
الأخضري يقول في "السُّلَّم" يقول:
تقسمها إلى سطور مثلاً، والسطر تقسمه إلى أقسام، فإذا كنت مبتدئًا قسِّم السطر إلى
ثلاثة أقسام، ثم بعد ذلك إلى قسمين، ثم اقرأ سطرين سطرين، هكذا حتى تُعوِّد نفسك
على سرعة القراءة.
ويقول أيضاً:
من قواعد التسريع في القراءة أن
تنقل عينيك بسرعة حال الانتقال من نهاية سطر إلى بداية آخر، حاول أن تنقل عينيك
بسرعة حال الانتقال من نهاية سطر إلى بداية آخر.
أحيانًا في الكتب الطويلة، الكبيرة
القطع، عندما الإنسان يقرأ، لو أنه رجع إلى أول السطر هذا التحول قد يكلفه جزء من
الثانية، أو ربما يكلفه ثانية في حق البطيء، لكن هذه الأجزاء المتوالية من الثواني
قد تتكون فتصير دقائق، بل ربما ساعات مع طول القراءة، وسرعة الانتقال والتحول، بل
سرعة المرور على السطور، والتدرُّب على ذلك، هو الذي يعودك ويعينك على اختصار
الأوقات، ووضعك في الاعتبار -أنك تضع في اعتبارك- ضرورة الانتقال السريع بين
السطور هذا أيضاً يُعينك على السرعة؛ لأن من الناس من يكون مُوَسْوَس، وهذه الوسوسة
أيضاً آثارها السلبية تأتي حتى في القراءة.
ما المراد
بـ"الموسوسين"؟
يمر مثلًا على الكلمة فلا يفهمهما،
فيرجع يقرأها ثانيةً.
هذه الوسوسة ستُكلِّفُك الكثير في
الوقت في تحصيل كثير الوقت في القراءة.
أيضاً: الانتقال
السريع بالعين يحميك من التشتت وعدم التركيز ويحول بينك وبين تضييع السطور
القادمة.
ثم يضرب مثالاً للتدرُّب على مسألة
تسريع القراءة فيقول:
ولحساب التطور في سرعة القراءة خذ
كتاباً معيناً متوسط الحجم -مثل هذا الكتاب- ثم احسب كم صفحة فيه، واقرأ الصفحة
الأولى منه بِنِيَّة، أو بإرادة تطوير سرعة القراءة.
أي: أنك ستقلل من نسبة الارتداد،
وتحاول توسيع مجال الرؤية كما شرحنا سابقًا، اقرأ في المرأة الأولى خمس صفحات
مثلاً بهذه الطريقة، وسجِّل الوقت، تقرأ خمس صفحات وتسجل في كم قرأت هذه الخمس
صفحات، ثم في المرة الثانية اقرأ خمس صفحات أخرى وضاعف الجهد المبذول في تقليل
نسبة الارتداد، وفي توسيع مجال النظر والقراءة، ثم احسب هذه النسبة أيضاً، وهكذا
حتى تصل لمعدل مرضٍ وقراءة سريعة مع فَهم متطور يواكب فيك السرعة.
هذا مروراً سريعاً على
بعض القواعد المتعلقة بتسريع القراءة.
قلنا أيضاً من الفوائد
المهمة: إدمان قراءة الفهارس:
لأن الفهارس ترتب لك المعلومة في
ذهنك.
وأيضاً تكلمنا على كيفية تخزين
المعلومة عند القراءة:
طريقة "الكمبيوتر" أو
طريقة "الدَّوْلَبة" ، أو طريقة "الدولاب"؛ تتخيل ذهنك بمثابة
الدولاب، وأن الكتاب الذي ستقرأه ستُخَزِّنُهُ في هذا الدولاب، وأن هذا الدولاب عبارة
عن أدراج، وتُقسِّم أبواب الكتاب إلى أدراج، فتقرأ الكتاب مثلاً وتقول:
أنا سأقرأ الكتاب هذا، إذن: سأفتح الدولاب، في ذهنك كأنك فتحت
"دولاب" فتحت الدولاب وجدت "الدولاب"
فيه أدراج، والكتاب طبعاً فيه أبواب، قرأت الباب الأول إذًا: فتحت الدرج، تقرأ
الباب الأول فتحت الدرج الأول، وضعت المعلومات، معلومات الباب الأول في الدرج
الأول، بعد ما أنهيت الباب الأول تُعلق الدرج وتسترجع معلومات الباب الأول في ذهنك
سريعاً بعد إغلاقه.
الآن قد عرفت معلومات الباب الأول،
أو الدرج الأول.
هذا مثل شخص عنده
"دولاب" و"دُرج" يعلم أن الدرج الأول مثلاً فيه مثلاً كذا،
والدرج الثاني فيه كذا، ولو سُئل مثلاً: الدرج الأول مِنْ دولابك ماذا فيه؟
سيقول: فيه كذا وكذا وكذا، وهكذا.
مثل: ربة المنزل، المرأة في
البيت.. أدراج المطبخ.. الدرج الأول فيه "الشِّوَك والسكاكين والملاعق"،
الدرج الثاني فيه كذا وكذا وكذا..
فهذا الأسلوب يعينك على ترتيب
وتنظيم المعلومة حتى لا تتشتت، أو بعبارة أكثر بدقة ووضوح: تتبعثر ما بين أجزاء
تلافيف المخ.
القاعدة
الثامنة عشرة:
في عَنْوَنة الكتب غير
المعنونة:
قد تُبتلى أو تُصادَف بقراءة كتاب
ليس فيه عناوين، المعلومات أو المسطور في الكتاب ينداح بسيولة وفيضانية، ليس فيه
أي عنوان، الكتاب من أوله لآخره "بسم الله الرحمن الرحيم" وبعد ذلك
الصفحة كلها مليئة بالكلام، ليس بها أي عناوين.
للأسف هذه الكتب ثبت علميًا أنها
عسيرة القراءة، وتَلَقِّي وهَدْي المعلومة منها صعب يحتاج إلى جهد ومشقة.
فعلاج هذا النوع من الكتب يكون
بعنونتها؛ أنه يقرأ المقطع ويُعَنْوِنَهُ، لماذا؟
من أجل أنه عندما يقرأ الكتاب مرة
ثانية، أو أثناء مذاكرته للكتاب يستطيع أن يُصنِّف المادة العلمية.
وهذه الطريقة مفيدة جداً للطلبة،
طلبة المدارس، عنونة الكتب، العنونة تكون عناوين صماء، أو عناوين استفهامية، هذين
النوعين المعروفين.
عناوين صماء مثل:
مثلاً يقال عنوان "بابٌ في
كذا"، "بابٌ العلم قبل القول والعمل".
وإن أتم؛ لأنه مبني
على جملة صماء، ليس فيها أي إنشاء، جملة خبرية، فهناك عناوين استفهامية مبنية على
سؤال.
مثلاً: "بابٌ هل
أكل لحم الجزور ينقض الوضوء".
فهذا عنوان مثلاً في سياق مسألة
قرأتها مثلاً في "نيل الأوطار"، ستجد الكلام كله مسترسل، فتضع هذا
العنوان الاستفهامي، أو العنوان الأصم في حاشية الكتاب، هذه العناوين ستعينك حتى
بعد ذلك أثناء استرجاعك، وأثناء مراجعتك ورجوعك لمعلوماتك وقراءاتك فتعينك على
الحصول على المعلومة في أقرب وقت ممكن، بخلاف ما لو كان الكتاب الذي تقرأه من هذه
الصورة ليس مُعَنْوَنًا ستجد صعوبة، وستبتدئ من جديد للبحث عن المعلومة، لكن لو
كان حواشي الكتاب مكتوب فيه مثل هذه العناوين فيسهل عليك بعد ذلك البحث عن المواطن
المطلوبة.
القاعدة التاسعة عشرة:
في ذكر الوسائل لفهم العبارات
الصعبة في الكتب:
الصعوبة: صعوبة المادة المقروءة،
أو صعوبة المعلومة المقروءة مبنية على أسباب:
السبب الأول: قد يكون سبب نفسي،
وهو أن هناك حواجز بين هذا القارئ، بين طالب العلم وبين المادة، أو بين الكتاب
الذي يقرأه، هذه الحواجز النفسية قد تحول بينه وبين فَهم المادة المقروءة مع إن
المادة المقروءة قد تكون من أسهل ما يكون.
إذن: العلاج في حق هذا الإنسان أن
يزيل هذا الحاجز النفسي، هذا الحاجز النفسي قد يكون بسبب أن إنسان أخبره أن هذه
المادة صعبة، ولا تحاول الاقتراب منها، ولو حاولت تقرأ لن تفهم..
فبذلك هو وطَّن نفسه على هذه
النفسية، فصار لم يقرأ أي كتاب خُوِّفَ منه أو من علمه يظن أنه صعب وعسير فيحال
بينه وبين الفَهم.
فلابد أن يزيل هذا الحاجز النفسي
بأن يحبب لنفسه هذه المادة أو هذا العلم أو هذا الكتاب.
كيف يحبب لنفسه هذه المادة؟
مسألة تلقين النفس، أو العيش في
خيالٍ وهمي للوصول إلى واقع حقيقي، هذا أمر مفيد جداً في كثير من الأمور.
وبهذه الطريقة يُعالَج كثير من
المرضى النفسيين؛ لأن معظم الأمراض النفسية مبنية على خيالات ووهم، فيأتي الدكتور
النفساني أيضًا يجعله يعيش في خيال وهمي إلى أن يعالجه. مثلاً: مريض نفسي يظن أنه
عصفور، فيتعامل، أو يتصرف تَصرُّف العصافير، فيعيش معه الدكتور النفساني إلى أن
يُحَسِّسُهُ إنه "إنسان".
كذلك الذي يكره علم من العلوم، أو
كتاب من الكتب يحاول يُعيِّش نفسه في خيال ووهم أنه يحب المادة ويعشقها، ولا
يستطيع التَّخَلِّي عنها حتى تضحي هذه المحبة محبة حقيقية فَيُفْتَحُ له في هذا
العلم.
لكن لو انغلق عليه هذا
العلم مع المداومة والاستمرار فلا يستمر فيه، بمعنى: لو انغلق عليك علم من العلوم،
وحاولت وجاهدت فيه، ولابد من المجاهدة، لأنك لا تترك علماً أبداً من أول محاولة،
هذا دليل عجز وقصور وعدم وجود همة، لكن إذا ما حِيل بينك وبين هذا العلم، مع كثرة
القراءة والاستمرار فيه فجاوزه إلى علم آخر..
وفي سبيل ذلك تذكرون
ما ذكرناه في "أربعين قاعدة في طلب العلم":
قلنا: إذا لم يُفتح
عليك في هذا العلم جاوز هذا العلم إلى غيره، أحد تلاميذ الخليل بن أحمد "الفراهيدي"
كان يتعلم عليه "علم العروض"، علم عروض: علم أوزان الشعر، بحور الشعر،
فجلس يُعَلِّمُهُ الأوزان والبحور والقوافي، والتلميذ ليس فاهمًا، فأحب الخليل بن
أحمد يفهمه ويعمله أن يتجاوز عن هذا العلم إلى علم غيره؛ حتى لا يُضيِّع الوقت،
فقال له: خذ قسَّم هذا البيت، قال: هاته، فقال:
إذا لم تستطع شيئاً فدعه | | وجاوزه إلى ما تستطيع |
ففهم الأمر وجاوز هذا
العلم إلى غيره وتعلَّم غيره.
الشاهد: أنك إذا
استغلق عليك هذا العلم بعد محاولات شديدة ومستمرة وهمة عالية، لا تُضيِّع وقتك مع
هذا العلم أو هذا الكتاب وجاوزه إلى شيء آخر تحبه وتتقنه.
نحن قلنا الحاجز
النفسي هذا عامل من عوامل صعوبة المادة المقروءة.
من العوامل أيضاً: عدم التوفيق.
بل ربما هو من أهم العوامل، عدم
التوفيق من الله U والخذلان -والعياذ بالله- لفساد
النية وسوء السَّوِيَّة، فمثل هذه الأمور تزول بتحسين النية، وصدق اللُّجأ، وتحسين
القصد والتضرع إلى الله تبارك وتعالى.
وكان الإمام ابن تيمية إذا استغلقت
عليه العبارات، وصَعُبَت أمامه الكلمات لجأ إلى المقابر والبيوت الخربة وألصق خده
بالتراب وقال: «اللهم يا مُعَلِّم إبراهيم علمني ويا مُفَهِّم سليمان فهمني».
لأن مصدر الإلهام والتسليم
والتوفيق كله من الله، هو الذي خلق العقول وهو الذي يوفقها للفهم كيف شاء U، فمصدر التوفيق من الله، فليضرع
ذلك المُستَغْلَق عليه أن يضرع إلى الله ليوفقه لفهم ما استغلق عليه.
أيضاً من الوسائل:
سؤال العلماء عن المادة الصعبة التي يقرأها.
وأيضاً: البحث في الأصول
والمختصرات والمراجع والشروح، فالمادة المقروءة عبارة من العبارات قد يكون تفسيرها
في كتاب أوسع، أكثر مجالاً، قد يكون تفسيرها في كتب من الكتب الخادمة التي تكلمنا
عنها، قد يكون تفسيرها في فك طلاسم ما في بعض الكلمات المُغلَقة التي تحتاج إلى
فهم اصطلاحاتها، وهذا أمر مهم جداً.
إن كثيرًا من الإخوة أو من طلبة
العلم، يقرؤون الكلمات بالاصطلاح العرفي العام، أي: يفهم الكلام بـ"الفتاكة"
بـ"الفهلوة"، هذا خطأ، وخاصةً إذا كنت تقرأ كتاباً متخصصاً لماذا؟ لأن
العالِم الذي يؤلف الكتاب يقصد الكلمة، بل يقصد مجاورة الكلمة للكلمة، فبالتالي لا
يجوز إنك تفهم الكتاب باصطلاحك أنت، لابد وأن تفهم الكلمة باصطلاح علماء هذا الفن،
بل ربما كان للمؤلف اصطلاح خاص، فلابد أن تفهم اصطلاح هذا العالِم بعينه؛ حتى
تستطيع أن تتعرف على مراده من كلماته.
لذلك: تجد أن بعض
العلماء في بعض في كتب الفقه –مثلاً:- يحكي إجماعات، في بعض كتب الفقه يحكي المؤلف
إجماعات عن العلماء، فالذي لم يقرأ مقدمة الكتاب يظن أن أي إجماع مَحْكِي في هذا
الكتاب فهو إجماع مطلق، أي: إجماع من كل علماء الأمة، بينما المؤلف اصطلح في كتابه
-اصطلح يعني: وضع اصطلاح معين- أن أي إجماع سيحكيه فالمراد به إجماع المذاهب
الأربعة، فتكون مشكلة أنه يحكي إجماع المذاهب الأربعة، ويريد إجماع المذاهب
الأربعة، ويأتي شخص يقرأ الكتاب بدون الرجوع إلى الاصطلاح، فيقول مثلًا: هذا أمر
مجمع عليه..
كتاب "بلوغ
المرام" كتاب في الحديث للحافظ ابن حجر، اصطلح على أن كلمة "متفق
عليه"، يعني رواه الشيخان البخاري ومسلم، فيأتي شخص لم يقرأ اصطلاح ابن حجر "متفق
عليه" يعني على صحته من كل العلماء، يقول: هذا حديث "متفق عليه" من
البخاري ومسلم وغيرهم، بينما الأمر قد لا يكون كذلك.
اصطلح مثلًا: على أن
قوله "رواه الخمسة" المراد به أهل السنن الأربعة، هو حدد طبعاً الأربعة،
بأن المراد بهم "أبو داود، وابن ماجه، والنسائي، والترمذي" لماذا؟
لأن بعض العلماء صنَّف كتب في
الحديث، واصطلح على أنه إذا قال: "رواه الأربعة" فالمراد به
"النسائي والترمذي وأبو داود ومالك" ليس " ابن ماجه"؛ لأن "موطأ
مالك" كان في بداية العصور أشهر من ابن ماجه، وهو في الحقيقة أصح من ابن
ماجه، وأكثر صحة منه من حيث الأحاديث وطُرُقِها.
فالشاهد: أنه لابد من
معرفة الاصطلاح؛ حتى لا يَزِلَّ ويضل في فَهم كلام العلماء أثناء قراءته لكتبهم.
القاعدة
العشرون:
في أنواع القراءة:
هناك قراءة من حيث الكم، وقراءة من حيث الكيف.
والقراءة من حيث الكم: قراءة سريعة
وبطيئة..
والقراءة من حيث الكيف: قراءة تحقيق،
وجرد، واستطلاع.
قراءة التحقيق -كما قلنا- هي:
القراءة المتأنية البطيئة الغائرة في أعماق المعاني، في معاني المعاني كما يقول "الجُرْجاني"
بل في ما وراء الألفاظ والمعاني، هذه القراءة التحقيقية القاعدة فيها: أنك لا تُسلِّم
بأي نقل من النقول، بمعنى أن عندما تأتي لتقرأ كتاب قراءة تحقيق؛ لنفرض مثلاً:
ستقرأ "فقه السُّنة" قراءة تحقيق، يعني: ستذاكر الكتاب هذا مذاكرة
مُتَفَحِّصة، لا تُسلِّم بأي نقل، بمعنى: مثلاً أتى في حديث قال الشيخ "سيد سابق"
فيه رواه البخاري ومسلم، لا أُسلِّم بهذا، بل لابد أن أعرف فعلاً هل رواه البخاري ومسلم؟ وهل رواه البخاري ومسلم فقط أم
هناك مَن رواه غيرهما ؟
هذه قراءة التحقيق: عدم التسليم
بالنقول؛ لأن الأصل أنك تُحقق كل معلومة تمر من هذه الحَدَقَة، كل معلومة تمر من
هذه الحدقة فإنك تحققها بحذافيرها.
وهذه الفائدة في أثناء قراءة التحقيق: هذه
المسألة تغيب أثناء قراءة الناس "قراءة التحقيق" والفهم لبعض النصوص هذه
المسألة الحيوية قد تغيب عن كثير من الناس، يقرأ في "فقه السنة" رواه
البخاري ومسلم، يقول: انتهى رواه البخاري ومسلم، وهذا الأمر خطأ؛ حتى في قراءة، بل
في الكتب المعتمدة في النقل لا تُسلِّم بها.
فلابد أن ترجع إلى الأصول في تحقيق المادة المقروءة التي
تقرأها، هذه المسألة تكاد تحيط بتزويد الحصيلة العلمية، بل تجعلك من المتميزين في
المادة العلمية، لماذا؟
لأن صلتك بالمادة
العلمية هنا صلة مباشرة، ليست صلة بواسطة.
وأشأم شيء في حق طالب العلم أن يأخذ العلم بواسطة، يعني
مثلاً:
تخريج الأحاديث يأخذها من كتب "الفقه" هذا خطأ؛
لأن كتب الفقه في الغالب الأعم تخطئ في التخريج، وهذا أمر معروف عند الدارسين
والباحثين، يأخذ المسألة الفقهية من كتب الحديث، تحقيق المسألة الفقهية يأخذها من
كتب الحديث هذا خطأ.
نقول: المذاهب يأخذها من غير مذلتها، هذا خطأ، يعني: مثلاً
"تفسير القرطبي" الإمام القرطبي من كبار الفقهاء، ومعروف أن "تفسير
القرطبي" تفسير فقهي، يعني تفسير لآيات الأحكام في الأعم الأغلب، وهو حينما
يتكلَّم عن المسألة العلمية يذكر خلاف العلماء ويعزو لأرباب المذاهب، عزوه لكثير
من المذاهب فيه خطأ، لماذا؟
لأن "القرطبي" متقدِّم جدًا، فَعَرْضُهُ لبعض
المذاهب، أو لكثير منها فيه بعض الخطأ، وخاصة: المذهب الحنبلي؛ لأنا نقول:
المذهب الحنبلي لم تستقر إلا في حوالي نهايات القرن السادس
أو السابع، والقرطبي ألَّف هذا التفسير قبل ذلك؛ أي: قبل أن تستقر نقولات، أو أن
يستقر الفتوى في المذهب الحنبلي على كتاب مُعتمَد بعينه، لذلك قد ينقل عن المذهب
الحنبلي أقوالاً ليست مُعتمَدَة في المذهب، وهذا يُحْصُل كثيراً كثيراً، لا في كتب
الحديث فقط، بل أيضاً في كتب الفقه، بل قد يحصل في الكتب المذهبية، يعني كتاب في
المذهب الشافعي مثلاً، قد يحصل الخطأ من الأئمة المتخصصين في نقل الأقوال عن
العلماء، وأئمتهم، يَحْصُل الخطأ في النقل عنهم. لذلك: نجد في المذاهب علماء يُسَمُّوا
علماء الترجيح والتحقيق والتنقيح،.
هؤلاء العلماء متخصصون في تحقيق نسبة القول للإمام، هذا هو
تخصصهم، تخصصهم أن يعرفوا هل هذا القول حقًا للشافعي أم لا..
ومن هؤلاء العلماء مثلاً في مذهب الشافعي: الإمام "الأسنوي"،
يُعتبر من أكبر أئمة الشافعية في هذا المجال.
لذلك: خطأ كثيراً من النقول التي نقلها النووي والرافعي في
كتبهما، وكانت كتب النووي والرافعي من أشهر الكتب المُعتمَدَة.
لذلك: ألَّف كتاب سمَّاه "المهمات"، هذا الكتاب
حرص فيه على تحقيق نسبة القول الإمام الشافعي.
وأيضًا من الأئمة المُعتمدَين المُعتَبَرِين
الإمام النووي، فإنه كان ينقل عن كتب أئمة المذهب، فيأتي بالنقل فيقول مثلاً: قال "الشيرازي"
في "المُهَذَّب"، والشيرازي من أئمة المذهب، يقول مثلاً: والمذهب عندنا
في المسألة كذا.
فيقول الإمام النووي: هذا خطأ فقد نصَّ الشافعي في
"الأم" على كذا، وينقل عبارة الشافعي باللفظ من "الأم".
ومعروف أن المذهب الشافعي المًُعتمَد هو ما كان مسطوراً في
"الأم"؛ لأن هذا الكتاب هو الذي ألَّفه بعد رحلته من العراق إلى مصر،
وهو المذهب المعتمد للإمام الشافعي؛ لأن الشافعي له مذهب قديم في العراق، ومذهب
جديد في مصر.
وينقل العبارة بنفسها من "الأم"
فيكون ذلك رداً واضحاً صريحاً على خطأ ذلك الإمام في النقل عن إمام المذهب
المعروف.
القاعدة الحادية والعشرين:
وهذه ذكرناها قبلُ وشرحناها في سياق كلامنا عن
الفوائد الأخرى. :
ولأن المعلومات تنداح وتسيل فقد تختلط، لكن تنزعها وتنويعها
بهذه الطريقة فقط، يعني: للتنويه بحيث إنك مع مطالعتك المستمرة لهذه القواعد، وهذه
الفوائد تتدرب على السرعة والاستفادة القصوى من القراءة أثناء مطالعتك.
لكن: ليس بالضرورة أن كل قاعدة نحتاج إلي تفسيرها وتفصيلها؛
لأنها قد تكون قد شُرِحَت بإسهاب قبل ذلك.
فالقاعدة الحادية والعشرين:أهمية قراءة
المُقدِّمة باستيعاب لمعرفة اصطلاح المؤلف؛ لأنه قد يذكر اصطلاح العلم، وقد يذكر
اصطلاح نفسه، وقد يذكر اصطلاحاً خاصاً بأبواب مُعيَّنَة، فلابد لمعرفة اصطلاحه
ومراده من كلامه.
القاعدة الثانية والعشرين:
أهمية الكتب الخادمة: اقتناء الكتب الخادمة
والاستعانة بها.
الكتب الخادمة: هي الكتب التي تُعين على فَهم المادة
المقروءة، مثل: المعاجم اللغوية. المعاجم اللغوية: قد تكون معاجم لغوية محضة،
معاجم لغوية معتنية بذكر معاني المفردات، يعني: بصورة غير مرتبطة بأي كتاب على حسب
الترتيب الأبجدي مثلاً..
لكن: هناك معاجم لغوية مُتخصِّصة بتفسير غريب كتب مُعينة،
مثل" المصباح المنير" تخصص في تفسير وشرح غريب ألفاظ "الشرح الكبير"
للرافعي، في الفقه الشافعي.
كتاب "المقنع" تخصص في تفسير الكلمات الغريبة
الواردة في كتاب "المقنع" الحنبلي.
كتاب "تهذيب الأسماء واللغات" كتاب
تخصص في تفسير الغريب الوارد في "المُهذَّب" والتنبيه في الفقه الشافعي
أيضاً.
الشاهد: أن هذه الكتب الخادمة لابد أن تستعين
بها في بيان الكلمات الغريبة التي تقرأها أثناء مُطالَعَتِكَ.
وأيضًا: من الكتب الخادمة: كتب التخريج التي تُخرِّج
الأحاديث، والكتب التي تُفسِّر أجزاء معينة، وهي كتب الحواشي التي تُفَسِّر أجزاء
معينة من الكتاب المشروح، أو المُحَشَّى عليه.
القاعدة الثالثة والعشرون:
أهمية جرد المُطَوَّلات،فلنا
في أنواع القراءة: أنه يوجد قراءة اسمها "الجرد".
والجرد: قلنا: هناك جرد انتقائي، وجرد استيعابي، لكن ما هي
أهمية قراءة الجرد؟
أهمية قراءة الجرد أولاً: أنها تُعيِنُكَ أو
تفيدك في أخذ صورة عامة عن الكتاب، أنت أحياناً تشتري كتاب "خمس مجلدات، عشر
مجلدات" ويقبح بك أن يكون في بيتك لم تقرأه، فلابد من أن يكون لديك فكرة
عنه..
فـ"جرد المطولات" يُعينُكَ على أخذ صورة وفكرة عن
الكتاب، صورة عامة وفكرة عامة..
وقلنا "الجرد" مثلما قلنا هناك: جرد استيعابي
وجرد انتقائي، وهناك القراءة الاستطلاعية. وأيضًا من فوائد الجرد: أنه يزيدك فوائد
عظيمة جدًا لا تجدها أثناء القراءة في مظان العلم، يعني: ممكن تقرأ في الفقه، وفي
كتب الفقه لا تجد فوائد قد تقرأها في كتاب حديث.
فمثلاً: في "فتح الباري" وهو كتاب معني بشرح
"صحيح البخاري" تجد فيه فوائد لا تجدها أبدًا في كتب الفقه، أثناء جردك
السريع على الكتاب تستنبط منه فوائد عظيمة.
ثانيًا: هذا الجرد يُعينك على فَهم اصطلاح
وأساليب ومناهج العلماء في التأليف، بحيث أنك مع استمرار جردك للمطولات تستطيع أن
تعيش مع ذلك المُصنِّف، وتستنبط منه طريقته في التأليف، بل تستطيع من إجمالي جردك
لكتب هذا المؤلف مثلاً أن يكون لديك حِسٌّ مُرْهَف في فَهم أسلوب العالِم، فمن
الممكن أن تَرِد عليك أي عبارة، يقول لك مثلاً اقرأ هذه العبارة، فتقول: هذه
العبارة لا يقولها إلا "ابن القيم" مثلاً أو "ابن حجر"، أو
فلان؛ وذلك لإدمان مُطالَعَتِكَ، وجَرْدِكَ للكتب التي ألَّفها..
فهذا الأمر يأتي بالدُرْبة والمداومة.
القاعدة الرابعة والعشرون:
رَبط العلوم بعضها ببعض، وَرَدُّ الفروع
لقواعدها.
لا تقرأ قراءة استرسالية، قراءة نُسمِّيها
قراءة بحرية نهرية، يعني أقرأ وانتهى الأمر، لا، لابد أن تكون قراءتك مؤسَّسة على
تصعيد، ومعنى التصعيد:
أن تكون مبنية على أُسس واضحة ترجع فيها الفروع إلى قواعد
حتى لا تتيه وتشرد.
فمثلاً: تقرأ في كتاب فيه فائدة حديثية، الأصل أنك تقرأ في
الفقه، لا تُفَوِّت هذه الفائدة الحديثية، لا، تسترجع تقول:
هذه المسألة أنا قرأتها في الحديث في "المصطلح"،
في الباب الفلاني، وهذه المسألة أظن أن فلان الذي كتب لم يتعرض لها بالتخصيص،
فتقوم بتدوينها وكتابتها في صحيفة ذهنك حتى تَرُدَّ الأمر إلى أصله، من أجل أن
تستطيع أن تجمع شتات العلوم، وتربط بين العلوم بعضها ببعض، ولا تكون ممن يقرأ
استرسالاً.
القاعدة الخامسة والعشرون:
لا تقرأ في كتاب يحتاج إلى دراسة علوم مُعينة
قبل دراستها.
يأتي مثلاً شخص يريد أن يدرس "المصطلح"
فيقال له: عندك السلسلة الصحيحة للشيخ "الألباني" اقرأ فيها ستستفيد
استفادة عظيمة..
وهذا خطأ؛ لأن قراءة مثل هذه الكتب للشيخ "الألباني"
أو مثلاً كتاب "التمكين" لـ"المُعَلِّمي" كتب مُتَخَصِّصة
تحتاج إلى دراسة الاصطلاح أولاً.
دراسة المصطلح، وعلم الرجال ومذاهب العلماء في النقد، حتى
تستطيع أن تقرأ عبارات العلماء بدقة، وعدم الخطأ في الفَهْم.
القاعدة السادسة والعشرون:
كُنْ موسوعياً، أي: لا تقف في قراءاتك على أبواب معينة،
فصول معينة، وعلوم معينة، أو ثقافات معينة، بل كنْ
موسوعياً؛ اقرأ في أي شيء، أي شيء يَرِد على يدك وتحت عينك حاول أن تقرأ فيه،
في "علم النفس، في الهندسة، في
الرياضيات ، في الفلك" كل ما يَرِدُ عليك حاول أن تقرأ فيه، أو أن تُلِمَ
ببعض شتاته حتى تستطيع أن تأخذ بعض الفوائد فيه.
كنْ موسوعياً، بمعنى: هذا الكلام في حق كثير المطالعة
والقراءة، وإلا فالفرد المبتدئ في القراءة لا يُعقَل أبداً أن يكون موسوعياً، لأنه
ما زال يؤسِّس، فالذي يؤسِّس ما زال يبتدئ بدايات العلوم، اصطلاحات العلوم.
لذلك: العلماء عندما تكلَّموا مثلاً في علم المنطق، وعلم
الكلام:
الأخضري يقول في "السُّلَّم" يقول:
تــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبع
فابن الصلاح والنووي حرما دراسة | | المنطق وقالا قولًا ينبغي أن يُعلم |
قال الأخضري:
والقولة المشهورة | | الصحيحة جوازه لصاحب القريحة |
ممارسِ السنة والكتاب | | ليهتدي به إلى الصواب |
فَمُمَارِس السُّنة والكتاب، الفاهِم للشرع،
والمقاصد الشرعية يُرَخِّص له في قراءة علوم المنطق.
مثلاً: حتى يستطيع أن يتدرَّب على تنظيم
المعلومة والمقدِّمات ليصل إلى نتائج صحيحة، وبالتالي لا يضل، أو لا يَضْعُف أمام
الفلاسفة والمناطقة إذا ما جُوْدِلَ، إذا ما نُوْظِرَ، أو جادلوا معه.
المسألة تحتاج إلى ضبط أكثر، يعني لا قد يضيق
المقام عن بسطه.
القاعدة السابعة والعشرون:
قراءة كتب عن الكتب: هناك كتب تتحدث عن الكتب،
فن الكتب مهمة جدًا، لأنها تُعطيك فكرة عن أهمية هذه الكتب وفائدتها، ومؤلفيها،
ضبط أسماء مؤلفيها، الفنون التي ألَّف فيها هؤلاء، فمثل هذه الكتب من الأهمية
بمكان..
ونذكر منها "كشف الظنون" كتاب تعرَّض
فيه لذكر بيان المؤلَفات والمؤلفين في كثير من العلوم والفنون، "الرسالة
المستطرفة" ذكر فيه أسماء الكتب ومؤلفي الكتب المُتَعَلِّقة بالحديث
والاصطلاح والرجال.
وأيضًا فهارس المكتبات العلمية، تذهب لمكتبات
تتطلع، أو تطالع الفهارس العلمية؛ لأنها تتحدث لك عن الكتب الموجودة في المكتبة.
كتب الاصطلاح: بمعنى: أن أي علم له كتاب يتعلق
بمصطلح، والاصطلاح الوارد فيه.
في مقدمات هذه الكتب: غالباً ما يتحدث العلماء
والمصنفين عن تاريخ التصنيف في هذا العلم، ويتعرض لأشهر العلماء المصنفين في هذا
العلم، وأشهر الكتب المسماة في هذا العلم..
فهذه من المظان المهمة التي يجب أن تتعرض لها؛
لأخذ صورة وفكرة عامة عن تاريخ العلم، وعن أهم المؤلفات وعن أهم المؤلفين فيه.
وكنا في الفوائد القادمة سنتكلم عن قراءة الصحف والمجلات:
عن فائدتها وصفتها، واختيارها، وقراءة الدوريات العلمية
المتخصصة، كيفية انتقاءها والاستفادة منها، وعن قراءة المذكرات، المذكرات الشخصية
للساسة والقادة والعسكريين وأهمية ذلك، وعن قراءة المخطوطات وعن كيفيتها، وفقهها
وأسلوبها، وأيضًا بعض المسائل..
ولكنَّ هذا ليس مهمًا للغاية، سنتجاوز كل ذلك الذي يحتاج
إلى إسهاب وشرح، ونتعرض للمسائل اللصيقة الصلة بفوائد القراءة.
من المسائل المهمة: حفظ النصوص وأثناء لا تحرم نفسك من أن
تحفظ بعض النصوص، وهذا الحفظ يحتاج إلى انتقاء وتقييد..
لذلك قيل: اكتب أحسن ما تقرأ، وأحفظ أحسن ما تكتب، وحدِّث
أحسن ما تحفظ، فلابد لِأَنْ تنتقي المادة المقروءة فَتُقَلِّدها، وهذا المُقَلِّد
-كما قلنا- تحفظه في "كُناش"خاص، تحفظ منه بعض العبارات المهمة، ثم
تُكَرِّر وتراجع بيان هذه العبارات التي قيَّدتها ليَثْبُت حفظها في ذهنك.
القاعدة التاسعة والعشرون:
ضبط الكلمات والأعلام: أثناء قراءاتك حاول أن لا تُفَوِّت منك كلمة إلا وأنت
تتقن قراءتها على الوجه الصحيح كما ورد في مفردات اللغة المشكولة، وكما نطق بها العرب،
وبخاصة الأسماء، حاول أن ترجع إلى الكتب المُعناة بضبط الأسماء حتى تستطيع أن تنطق
بالاسم على الوجه الذي نُطِقَ به، وهذا مما يعطيك التميز في العلم والقراءة.
فاحذر أثناء ذلك من التحريف، والتصحيف، وهذا من أعظم الآفات
التي ترد على القُرَّاء. سمعت أحد الأشخاص يخطب يقول: ومن جواهر الجنة "الذهب
والفضة والزَّبْرَجَدَّا"!.
وهي طبعًا "الزَّبَرْجَدْ"، لكن تخيل كيف وصلته
"زَبْرَجَدَّا"؟ إلا إذا كان غير مُعْنى أبداً بضبط الألفاظ، فمثل هذا لابد
أن يُعتنى به.
وورد في بعض الكتب أن بعض المحدِّثين
قال: حدثني فلان فلان عن رجل، فقرأها عن الله عز وجل؛ لأن الكلام قبلُ لم يكن يُكتَب
بوضوح، فكان يقرأ الكلام بدل ما يقول:
عن رجل، قال: عن الله عز وجل..
فَمِثْلُ هذا التصحيف والتحريف، يتعرف له من لا يعتني، أو
يحافظ على ضبط الأعلام والكلمات.
القاعدة الثلاثون:
القراءة على شيخ: القراءة على شيخ؛ لضبط المادة
العلمية والأمن من التحريف والزلل أثناء القراءة، أو الزلل والعصمة من الزلل في
الفهم والضبط، لذلك قيل:
|
من يأخذ العلم عن شيخ مشافهة | يكون عن الزيغ والتحريف في حرم |
ومن يكون آخذاً للعلم من صحف | فعلمه عند أهل العلم كالعدم |
وقيل: "لا تأخذ العلم من صُحُفِي"؛
أي: الذي يأخذ من الصحائف، ولا مُصَحِّفي، يعني: الذي يحفظ من المُصْحَف هكذا دون
شيخ، فهذا إنما يأخذ عن الورق، وأنت لابد أن يتسلسل إسناد علمك إلى الأعلام
والمتخصصين.
القاعدة الحادية والثلاثون:
أن تعلم أن القراءة السرية أفضل من الجهرية.
وهذا خاصةً: في حق من لديه عادة سيئة إنه لا يستطيع أن يقرأ
إلا بصوت عالي، فهي عادة سيئة، لماذا؟
أولاً: لأنها تستهلك وقت في القراءة، القارئ قراءة سِريَّة
وقت القراءة عنده أسرع من القارئ قراءة جهرية.
ثانيًا: أنها تستهلك طاقته وقوته، أليس هذا الصون يحتاج إلى
طاقة؟.
الطاقة هذه تنفذ وتضمحل، التكلم بصوت عالٍ والكلام، وتضيع،
وأنت محتاج إلى الطاقة المخزونة لتستمر أطول وقت ممكن في القراءة.
القاعدة الثانية والثلاثون:
أن تعاود قراءة ما قرأت، مرة بعد مرة، ليس شرطًا مرة بعد
مرة كل أسبوع، أو كل شهر، لا، فكتاب ممكن تقرأه كل سنة، أو كل سنتين، أو كل عشر
سنين، ولكنك أثناء معاودتك للقراءة مرة ثانية، لابد وأن تخرج بفوائد جديدة، بل
برؤية جديدة، بل بفهم جديد، بل باتساع أُفُق جديد لقراءتك هذا الكتاب مرات ومرات.
القاعدة الثالثة والثلاثون:
هناك قواعد مهمة لفهم الكلام: حتى تفهم العبارة والمادة
المقروءة جيداً احرص على السباق والسياق واللحاق؛ يعني: الكلام السابق، والكلام
اللاحق والسياق كله.
يعني: الكلام المتصل بعضه ببعض، لا تفهم الكلام
مجزءاً، وخاصة بالنسبة للعلماء المتخصصين دقيقي العبارة، فمثل هؤلاء لابد من أن يتصل
فَهم عبارة كلامهم بسابق كلامهم وبلاحقه بسياقه الذي يقرأه.
ومن قواعد الفهم: أن تفهم مذهب المؤلف وتاريخه
وعصره.
عندما تأتي تقرأ: المؤلف كلما ازددتَ معرفةً
بمَذْهَبِهِ "مذهبه العقدي" أو "الفقهي" أو مذهبه في التفكير،
أو مذهبه "الفقهي" أو "الحديثي" مثلاً، وتاريخه وتاريخ عصره،
والأحداث التي جرت في عصره.. هذا قد يُفَسِّر لك كثيراً من الكلام الذي تقرأه لهذا
المؤلف.
أيضاً من الفوائد المهمة في الكتب غير
المختصرة: لا تحمل اللفظ فوق ما يَحْتَمِل.
ومن القواعد: أن لا يُنسب إلى ساكت قول إلا بدليل معتبر.
ومن الفوائد المهمة أيضاً: أن تعلم أن كلام المتقدمين أخصر،
أي: أكثر اختصاراً وأعمق دلالة من كلام المتأخرين؛ كلام المتأخرين كثير، فبالتالي
لابد أن يكون نَفَسٍُكَ معهم طويلاً، ولكن كلام المتقدمين مختصر جداً ودقيق وعميق
جداً.
لذلك: لو قرأت في كتب حتى الكتب العلمية الصميمة في علميتها
وتخصصها تجد عباراتهم رشيقة وجليلة ودقيقة وعميقة، فتحتاج إلى تأمل وتحتاج إلى فهم
وَرَوَيَّة في الفَهم.
القاعدة الرابعة والثلاثين:
في أنواع المَلَكات: قال العلماء:
الملكات ثلاثة: ملكة الإنسان: عَرَّفوا المَلَكة بأنها
الكيفية الراسخة في النفس والتهيؤ الراسخ في النفس لقبول المعرفة، الكيفية الراسخة
في النفس، قالوا:
الملكات هذه ثلاثة: ملكة استحصال، وهي القدرة الراسخة في
النفس على تحصيل المعلومة قراءة بالبصر، أو سمعاً بالكلام..
والآن هناك طُرُق أخرى مثل: اللمس، قراءة: براين.
لكن ملكة الاستحصال: هي القدرة على تحصيل
المعلومة ودخولها من الخارج والواقع إلى داخل الذهن.
ثانيًا: ملكة الاستخراج: وهي قدرة في الذهن، أو
في النفس على استخراج المعاني الكنيزة، أو المكنوزة المدفونة في صُلب الألفاظ
والمعاني، وهذه تتفاوت، مثلاً:
﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ
% وَرَأَيْتَ النَّاسَ
يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا % فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ
إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [الفتح: 3:1].
كل الصحابة فهموا من هذه الآية أنها بشارة
بالنصر والفتح العظيم، لكن فَهِمَ ابن عباس منها ماذا؟
أنها نعي الرسول -صلى الله عليه وسلم-، هذا استخراج، فَهُم
استخرجوا من اللفظ معنًى، لكن ابن عباس استخرج من اللفظ معاني أخرى، وهذا على قدر
الدُّربة والتحصيل والتوفيق والإلهام والمدد من الله.
الملكة الثالثة: وهي أعز الملكات وأهمها: ملكة الاستحضار:
وهي استحصال وإستخراج وهضم لما حصَّل واستخرج، ثم قدرة على استحضار كل ما فهم في
أي وقت، في أي زمان، وأي مكان.
معنى الاستحضار: أنه يستطيع استحضار أي معلومة
قرأها،حصَّلها، استخرجها في أي زمان ومكان، أنه يستحضرها، يسأل في الحديث فيجيب،
ومن حينه في الفقه يجيب..
لذلك: كان "الإمام ابن تيمية" قيل: أنه إذا تكلَّم
في علم قيل: لا يُتقن غيره، هو لا يعرف إلا هذا العلم، وقيل: أنه إذا تحدَّث فكأنه
كالبحر المنهمر.
ومن صفته الواردة في بعض تراجمه: أنه كان إذا درس ابتدأ
الدرس بحمد الله والثناء عليه، ثم أغلق عينه قالوا: فإذا هو كالبحر الهادر، أي:
أنه يَخُرُّ علم، ثم لا ينقضي أمره إلا بعد أن يفتح عينيه بعد أن يكون قد أملى
كتاباً، أو دفتراً، أو كراسةً في العلم..
هذا حال العلماء.
هذه ملكة الاستحضار.
الإمام "ابن تيمية" معظم مؤلفاته
-التي أحصى منها "الذهبي" خمسمائة مجلد- ألَّفها في السجن، سجن القلعة،
حيث لا كُتُب ولا مراجع ولا مصادر، ومن راجع مع ابن تيمية وحقَّق معه، وراجع نقوله
وجدها أدق النقول.
قيل: أنه كان يناظر الفلاسفة فيُصَوِّب نقولهم عن أئمتهم،
كان يناظر الأشاعرة مثلاً فيأتي لي واحد يقول الإمام الرازي قال: كذا، يقول له:
أنت غلطان الرازي لم يقل كذا، الرازي قال: كذا وكذا في الكتاب الفلاني والموضع
الفلاني.
يقولك ابن الراوندي قال كذا، أنت غلطان، ابن الراوندي: هذا
كان كافر ومُلْحِد وزنديق، لكن ابن الراوندي عنده كُتُب، وهذا الكلام قاله في
الكتاب الفلاني بالكيفية الفلانية والكيفية الفلانية بملكة الاستحضار.
فهذه هي الملكة التي لابد أن تَحْصُل مع بيان
القراءة وإبهامها.
القاعدة الخامسة والثلاثون:
وهي من أعز وأهم الفوائد والقواعد، وفحواها أنه لابد أن
ينتفع الخلق من قراءاتك بأي وجه من الوجوه.
لابد: أن ينتفع الناس من قراءاتك، لا تكن
كالآلة الكاتبة تكتب فقط، وتُحَصِّل فقط، لابد من النفع بأي وجه من الوجوه، ونترك
هذه الوجوه لك لتستنبطها وتُحَصِّلها بنفسك..
أسئلة:
شخص
نصراني تُوفي في عمله وكان دفنه بعيد عن مكان العمل، فقام شخص مُسلِم بغسله مثل
غسل المسلمين (كلام غير مفهوم) وصلى عليه صلاتنا..
أما غُسْلُهُ ودفنه فهذا لا شيء فيه، وإن كان
لا يجب، لا يجب على المسلم أن يدفن الكافر وهذا من تمام الفضل والإحسان، لكن لا
يجب أن تصلي عليه؛ لأنه لا يجوز الصلاة على المنافق، وهو الذي يظهر الإسلام ويبطن
الكفر لمن علمت نفاقه، فكيف بمن استعلم الكفر قال تعالى: ﴿وَلاَ
تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ
إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [التوبة: 84].
فلا يجوز الصلاة عليه بأي حال،
والذي حدث هذه معصية يتوب منها، ويُنَبِه عليها إخوانه الذين شاركوه في هذا الأمر.
لكن هو -إن شاء الله-
مُثاب مجزو على تبرعه بِغُسله..
طبعاً يُغَسِّله بدون أي أذكار
شرعية، يغسله وانتهى، يغسله ويكفنه بأي حال كان ويدفنه، ولكن أيضاً: لا
يُدفن في مقابر المسلمين، وليس فيها مجاملة؛ لأن النصارى لا يدفنون المسلمين في
مقابر النصارى، ولا نقل: هذه وحدة وطنية، وهذا الكلام، هذه عقائد وأمور، يعني
القانون يُقِرُّها فلا مجاملة فيها.
لا يجوز الصلاة عليه ولا دفنه في مقابر المسلمين بحال، لكن
لو أمكن أن يدفن خارج مقابر المسلمين فأرجو أن لا يكون به داء.
ما الفرق بين الاصطلاح والتعريف ؟
التعريف: هو من مُهِمَّات علم المنطق، والمراد
به أو كما يُعبِّرون به أنه القول الشارح.
أي: العبارة التي بها تُفَسَّر ماهية معينة، أقول لك مثلاً:
المذياع عرَّف ما هو المذياع؟ فتقول: آلة بها كذا وكذا وتفيد في كذا وكذا، فهذا
تعريف قول شارح.
أقول لك: عرِّف الصلاة؟ تعريف الصلاة أقوال وأفعال مبتدئة
بالتكبير ومختتمة بالتسليم، هذا تعريف.
المراد بالاصطلاح: هو ما تواطأ واصطلح وتعارف
عليه العلماء باعتباره مفهوماً خاصاً في حق هذا العلم بعينه، فمثلاً اصطلح الفقهاء
على استخدام "الصلاة" بأن المراد بها أقوال وأفعال مبتدئة بالتكبير
ومختتمة بالتسليم، فهذا تعريف، وفي نفس الوقت هو اصطلاح؛ لأن الصلاة في اللغة
بمعنى الدعاء، في اصطلاح اللغويين الدعاء، وفي اصطلاح الفقهاء بمعنى كذا.
نسأل الله U أن يجعلنا ممن يستمعون
القول فيتبعون أحسنه..
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
وتبقى خمس فوائد كما ذكرنا متعلقة بقراءة
المخطوطات والمجلات والجرائد وضوابط ذلك وكيفيته، نُرجئه إلى لقاء قادم، أقول قولي
هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم...
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى